وَقِيلَ: اسْمُ بَلَدٍ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَسُمِّيَتِ الْقَبِيلَةُ بِاسْمِ أَبِيهِمْ: وَهُوَ مَدْيَنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ كَمَا يُقَالُ بَكْرٌ وَتَمِيمٌ. قَوْلُهُ:
أَخاهُمْ شُعَيْباً شُعَيْبٌ: عَطْفُ بَيَانٍ، وَهُوَ شُعَيْبُ بْنُ مِيكَائِيلَ بْنِ مَدْيَنَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَهُ عَطَاءٌ وَابْنُ إِسْحَاقَ وغيرهما. وقال الشرقيّ بْنُ الْقَطَّامِيِّ: إِنَّهُ شُعَيْبُ بْنُ عَيْفَاءَ بْنِ يوبب بْنِ مَدْيَنَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَزَعَمَ ابْنُ سَمْعَانَ أنه شعيب بن جزي بْنِ يَشْجُبَ بْنِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ شُعَيْبُ ابن صَفْوَانَ بْنِ عَيْفَاءَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ مَدْيَنَ بن إبراهيم. قوله: قالَ يا قَوْمِ إِلَى قَوْلِهِ: بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ قَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي قِصَّةِ نُوحٍ. قَوْلُهُ: فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ أَمَرَهُمْ بِإِيفَاءِ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ مُعَامَلَةٍ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، وَكَانُوا لَا يُوَفُّونَهُمَا، وَذَكَرَ الْكَيْلَ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ، وَعَطَفَ عَلَيْهِ الْمِيزَانَ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِلْآلَةِ.
وَاخْتُلِفَ فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ، فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكَيْلِ: الْمِكْيَالُ، فَتَنَاسَبَ عَطْفُ الْمِيزَانِ عَلَيْهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمِيزَانِ الْوَزْنُ فَيُنَاسِبُ الْكَيْلَ، وَالْفَاءُ فِي فَأَوْفُوا لِلْعَطْفِ عَلَى اعْبُدُوا. قَوْلُهُ: وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ الْبَخْسُ: النَّقْصُ وَهُوَ يَكُونُ بِالتَّعْيِيبِ لِلسِّلْعَةِ أَوِ التَّزْهِيدِ فِيهَا أَوِ الْمُخَادَعَةِ لِصَاحِبِهَا وَالِاحْتِيَالِ عَلَيْهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: أَشْياءَهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَبْخَسُونَ النَّاسَ فِي كُلِّ الْأَشْيَاءِ، وَقِيلَ: كَانُوا مَكَّاسِينَ يَمْكِسُونَ كُلَّ مَا دَخَلَ إِلَى أَسْوَاقِهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
أَفِي كُلِّ أَسْوَاقِ الْعِرَاقِ إِتَاوَةٌ ... وَفِي كُلِّ مَا بَاعَ امْرُؤٌ مَكْسُ دِرْهَمِ
قَوْلُهُ: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ قَرِيبًا وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ قَلِيلُ الْفَسَادِ وَكَثِيرُهُ وَدَقِيقُهُ وَجَلِيلُهُ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكُمْ إِلَى الْعَمَلِ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَتَرْكِ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ، وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِيَّةِ هُنَا: الزِّيَادَةُ الْمُطْلَقَةُ، لِأَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي عَدَمِ إِيفَاءِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، وَفِي بَخْسِ النَّاسِ، وَفِي الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ أَصْلًا.
قَوْلُهُ: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ الصِّرَاطُ: الطَّرِيقُ، أَيْ: لَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ طَرِيقٍ تُوعِدُونَ النَّاسَ بِالْعَذَابِ، قِيلَ: كَانُوا يَقْعُدُونَ فِي الطُّرُقَاتِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى شُعَيْبٍ، فَيَتَوَعَّدُونَ مَنْ أَرَادَ الْمَجِيءَ إِلَيْهِ، وَيَقُولُونَ:
إِنَّهُ كَذَّابٌ فَلَا تَذْهَبْ إِلَيْهِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَفْعَلُهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْقُعُودُ عَلَى طُرُقِ الدِّينِ وَمَنْعُ مَنْ أَرَادَ سُلُوكَهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْقُعُودَ عَلَى الطُّرُقِ حَقِيقَةً، وَيُؤَيِّدُهُ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْآيَةِ: النَّهْيُ عَنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَأَخْذِ السَّلْبِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَقِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا عَشَّارِينَ يَأْخُذُونَ الْجِبَايَةَ فِي الطُّرُقِ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْرَبُهَا إِلَى الصَّوَابِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِ النَّهْيِ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ.
وَجُمْلَةُ تُوعِدُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَكَذَلِكَ مَا عُطِفَ عَلَيْهَا، أَيْ: لَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ طَرِيقٍ مُوعِدِينَ لِأَهْلِهِ صَادِّينَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، بَاغِينَ لَهَا عِوَجًا، وَالْمُرَادُ بِالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: صَدُّ النَّاسِ عَنِ الطَّرِيقِ الَّذِي قَعَدُوا عَلَيْهِ وَمَنْعُهُمْ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى شُعَيْبٍ، فَإِنَّ سُلُوكَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ السَّبِيلِ لِلْوُصُولِ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ هُوَ سُلُوكُ سَبِيلِ اللَّهِ، ومَنْ آمَنَ بِهِ مَفْعُولُ تَصُدُّونَ، وَالضَّمِيرُ فِي آمَنَ بِهِ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ، أَوْ إِلَى سَبِيلِ الله، أو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute