للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَكُلُوا مِنْها أَيْ: مِنَ الْمَأْكُولَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِيهَا حَيْثُ شِئْتُمْ أَيْ: فِي أَيِّ مَكَانٍ شِئْتُمْ مِنْ أَمْكِنَتِهَا لَا مَانِعَ لَكُمْ مِنَ الْأَكْلِ فِيهِ وَقُولُوا حِطَّةٌ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي الْبَقَرَةِ وَادْخُلُوا الْبابَ أَيْ: بَابَ الْقَرْيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ حَالَ كَوْنِكُمْ سُجَّداً أُمِرُوا بِأَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ قَوْلِهِمْ حِطَّةً، وَبَيْنَ الدُّخُولِ سَاجِدِينَ، فَلَا يُقَالُ كَيْفَ قَدَّمَ الْأَمْرَ بِالْقَوْلِ هُنَا عَلَى الدُّخُولِ وَأَخَّرَهُ فِي الْبَقَرَةِ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَى السُّجُودِ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ جَوَابُ الْأَمْرِ. وقرئ خطيتكم ثُمَّ وَعَدَهُمْ بِقَوْلِهِ: سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ أَيْ: سَنَزِيدُهُمْ عَلَى الْمَغْفِرَةِ لِلْخَطَايَا بِمَا يُتَفَضَّلُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ النِّعَمِ، وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَاذَا لَهُمْ بَعْدَ الْمَغْفِرَةِ؟ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْبَقَرَةِ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ أَيْ: عَذَابًا كَائِنًا مِنْهَا بِما كانُوا يَظْلِمُونَ أَيْ: بِسَبَبِ ظلمهم. قوله: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ مَعْطُوفٌ عَلَى عَامِلِ إِذِ الْمُقَدَّرِ، أَيِ: اذْكُرْ إِذْ قِيلَ لَهُمْ وَاسْأَلْهُمْ، وَهَذَا سُؤَالُ تَقْرِيعٍ وَتَوْبِيخٍ، وَالْمُرَادُ مِنْ سُؤَالِ الْقَرْيَةِ: سُؤَالُ أَهْلِهَا، أَيِ: اسْأَلْهُمْ عَنْ هَذَا الْحَادِثِ الَّذِي حَدَثَ لَهُمْ فِيهَا الْمُخَالِفِ لِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ. وَفِي ضِمْنِ هَذَا السُّؤَالِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ، وَهِيَ تَعْرِيفُ الْيَهُودِ بِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُهُ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَأَنَّ اطِّلَاعَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِإِخْبَارٍ لَهُ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِهِ.

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ: أَيُّ قَرْيَةٍ هِيَ؟ فَقِيلَ: أَيْلَةُ، وَقِيلَ: طَبَرِيَّةُ، وَقِيلَ: مَدْيَنُ، وَقِيلَ:

إِيلِيَا، وَقِيلَ: قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى سَاحِلِ الشَّامِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ أَيِ: الَّتِي كَانَتْ بِقُرْبِ الْبَحْرِ، يُقَالُ كُنْتُ بِحَضْرَةِ الدَّارِ أَيْ: بِقُرْبِهَا. وَالْمَعْنَى: سَلْ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ الْمَوْجُودِينَ عَنْ قِصَّةِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ. قُرِئَ «وَاسْأَلْهُمْ» وَقُرِئَ «سَلْهُمْ» . إِذْ يَعْدُونَ أَيْ: وَقْتَ يَعْدُونَ، وَهُوَ ظَرْفٌ لِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، لِأَنَّ السُّؤَالَ هُوَ عَنْ حَالِهِمْ وَقِصَّتِهِمْ وَقْتَ يَعْدُونَ وَقِيلَ: إِنَّهُ ظَرْفٌ لِكَانَتْ أَوْ لِحَاضِرَةٍ.

وَقُرِئَ «يُعِدُّونَ» بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ مِنَ الْإِعْدَادِ لِلْآلَةِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يَعْدُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الدَّالِ مُخَفَّفَةً، أَيْ: يَتَجَاوَزُونَ حُدُودَ اللَّهِ بِالصَّيْدِ يَوْمَ السَّبْتِ الَّذِي نُهُوا عَنِ الِاصْطِيَادِ فِيهِ، وَقُرِئَ «يَعَدُّونَ» بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْعَيْنِ وَضَمِّ الدال مشدّدة، وبمعنى يَعْتَدُونَ، أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ. وَالسَّبْتُ: هُوَ الْيَوْمُ الْمَعْرُوفُ، وَأَصْلُهُ السُّكُونُ، يُقَالُ سَبَتَ إِذَا سَكَنَ وَسَبَتَ الْيَهُودُ تَرَكُوا الْعَمَلَ فِي سَبْتِهِمْ، والجمع أسبت، وسبوت، وأسبات، وقرأ ابن السميقع فِي «الْأَسْبَاتِ» عَلَى الْجَمْعِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ ظَرْفٌ لِيَعْدُونَ. وَالْحِيتَانُ: جَمْعُ حُوتٍ وَأُضِيفَتْ إِلَيْهِمْ لِمَزِيدِ اخْتِصَاصٍ لَهُمْ بِمَا كَانَ مِنْهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مِنَ الْإِتْيَانِ يَوْمَ السَّبْتِ دُونَ ما عداه، ويَوْمَ سَبْتِهِمْ ظرف لتأتيهم. وقرئ «يوم أسباتهم» وشُرَّعاً حَالٌ، وَهُوَ جَمْعُ شَارِعٍ، أَيْ: ظَاهِرَةً عَلَى الْمَاءِ، وَقِيلَ: رَافِعَةً رُؤُوسَهَا، وَقِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ تشرع على أبوابهم كَالْكِبَاشِ الْبِيضِ. قَالَ فِي الْكَشَّافِ: يُقَالُ: شَرَعَ علينا فلان: إذا أدنى مِنَّا، وَأَشْرَفَ عَلَيْنَا، وَشَرَعْتُ عَلَى فُلَانٍ فِي بَيْتِهِ، فَرَأَيْتُهُ يَفْعَلُ كَذَا، انْتَهَى وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ أَيْ: لَا يَفْعَلُونَ السَّبْتَ، وَذَلِكَ عِنْدَ خُرُوجِ يَوْمِ السَّبْتِ لَا تَأْتِيهِمُ الْحِيتَانُ كَمَا كَانَتْ تَأْتِيهِمْ فِي يَوْمِ السَّبْتِ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ أَيْ:

<<  <  ج: ص:  >  >>