للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهَا مَمْسُوخَةٌ مَعَ الطَّائِفَةِ الْعَاصِيَةِ لِأَنَّهَا قَدْ ظَلَمَتْ نَفْسَهَا بِالسُّكُوتِ عَنِ النَّهْيِ وَعَتَتْ عَمَّا نَهَاهَا اللَّهُ عَنْهُ مِنْ تَرْكِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا لَمْ تُمْسَخْ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ظَالِمَةً لِنَفْسِهَا عَاتِيَةً عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَنَهْيِهِ لَكِنَّهَا لَمْ تَظْلِمْ نَفْسَهَا بِهَذِهِ الْمَعْصِيَةِ الْخَاصَّةِ، وَهِيَ صَيْدُ الْحُوتِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ، وَلَا عَتَتْ عَنْ نَهْيِهِ لَهَا عَنِ الصَّيْدِ وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ نَاهِيَةً كَالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ طَائِفَةً مُسْتَقِلَّةً لِكَوْنِهَا قَدْ جَرَتِ الْمُقَاوَلَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى مِنَ النَّاهِينَ الْمُعْتَزِلِينَ، فَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي النَّهْيِ وَالِاعْتِزَالِ وَالنَّجَاةِ مِنَ الْمَسْخِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ! أَجِدُ أُمَّةً أَنَاجِيلُهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةٌ تَكُونُ بَعْدَكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ، قَالَ: يَا رَبِّ! أَجِدُ أُمَّةً يُصَلُّونَ الْخَمْسَ تَكُونُ كَفَّارَاتٍ لِمَا بَيْنَهُنَّ، قَالَ: تِلْكَ أُمَّةٌ تَكُونُ بَعْدَكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ، قَالَ: يَا رَبِّ! أَجِدُ أُمَّةً يُعْطُونَ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ ثُمَّ تَرْجِعُ فِيهِمْ فَيَأْكُلُونَ، قَالَ: تِلْكَ بَعْدَكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ، قَالَ: يَا رَبِّ! اجْعَلْنِي مِنْ أُمَّةِ أَحْمَدَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ كَهَيْئَةِ الْمَرْضَاةِ «١» لِمُوسَى: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ الْآيَةَ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا قَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُمْ وَكَفَرُوا وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا، تَبَرَّأَ سِبْطٌ مِنْهُمْ مِمَّا صَنَعُوا، وَاعْتَذَرُوا، وَسَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ، فَفَتَحَ اللَّهُ لَهُمْ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ فَسَارُوا فِيهِ حَتَّى خَرَجُوا مِنْ وَرَاءِ الصِّينِ فَهُمْ هُنَالِكَ حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ يَسْتَقْبِلُونَ قِبْلَتَنَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً «٢» ووعد الآخرة: عيسى بن مَرْيَمَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَارُوا فِي السِّرْبِ سَنَةً وَنِصْفًا.

أَقُولُ: وَمِثْلُ هَذَا الْخَبَرِ الْعَجِيبِ وَالنَّبَأِ الْغَرِيبِ مُحْتَاجٌ إِلَى تَصْحِيحِ النَّقْلِ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: افْتَرَقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مُوسَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى بَعْدَ عِيسَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً، وَلَتَفْتَرِقَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً، فَأَمَّا الْيَهُودُ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ:

وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ فَهَذِهِ الَّتِي تَنْجُو، وَأَمَّا النَّصَارَى فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ «٣» فَهَذِهِ الَّتِي تَنْجُو، وَأَمَّا نَحْنُ فَيَقُولُ: وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ «٤» فَهَذِهِ الَّتِي تَنْجُو مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا: أَنَّ زِيَادَةَ كُلُّهَا فِي النَّارِ لَمْ تَصِحَّ لَا مَرْفُوعَةً وَلَا مَوْقُوفَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَانْبَجَسَتْ قَالَ: فَانْفَجَرَتْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عباس، وهو يقرأ هذه الآية وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ قَالَ: يَا عِكْرِمَةُ! هَلْ تَدْرِي أَيَّ قَرْيَةٍ هَذِهِ؟ قُلْتُ لَا، قَالَ: هِيَ أَيْلَةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: هِيَ طَبَرِيَّةُ. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس


(١) . أي: ترضية له.
(٢) . الإسراء: ١٠٤.
(٣) . المائدة: ٦٦.
(٤) . الأعراف: ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>