ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ. قَوْلُهُ أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ يَشْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الغنيمة ومِنْ شَيْءٍ بَيَانٌ لِمَا الْمَوْصُولَةِ، وَقَدْ خَصَّصَ الْإِجْمَاعُ مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ الْأُسَارَى. فَإِنَّ الْخِيَرَةَ فِيهَا إِلَى الْإِمَامِ بِلَا خِلَافٍ.
وَكَذَلِكَ سَلَبُ الْمَقْتُولِ إِذَا نَادَى بِهِ الْإِمَامُ وَقِيلَ: كَذَلِكَ الْأَرْضُ الْمَغْنُومَةُ. وَرَدَ بِأَنَّهُ لَا إِجْمَاعَ عَلَى الْأَرْضِ.
قَوْلُهُ: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ قَرَأَ النَّخَعِيُّ فَإِنَّ لِلَّهِ بِكَسْرِ أَنَّ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا عَلَى أَنَّ: أَنَّ وَمَا بَعْدَهَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: فَحَقٌّ أَوْ فَوَاجِبٌ أَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الْخُمُسِ عَلَى أَقْوَالٍ سِتَّةٍ: الْأَوَّلُ: قَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقَسَّمُ الْخُمُسُ عَلَى سِتَّةٍ، فَيُجْعَلُ السُّدُسُ لِلْكَعْبَةِ. وَهُوَ الَّذِي لِلَّهِ، وَالثَّانِي: لِرَسُولِ اللَّهِ، وَالثَّالِثُ: لِذَوِي الْقُرْبَى، وَالرَّابِعُ:
لِلْيَتَامَى، وَالْخَامِسُ: لِلْمَسَاكِينِ، وَالسَّادِسُ: لِابْنِ السَّبِيلِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ: إِنَّهَا تُقَسَّمُ الْغَنِيمَةَ عَلَى خَمْسَةٍ، فَيُعْزَلُ مِنْهَا سَهْمٌ وَاحِدٌ، وَيُقَسَّمُ أَرْبَعَةٌ عَلَى الْغَانِمِينَ، ثُمَّ يَضْرِبُ يَدَهُ فِي السَّهْمِ الَّذِي عَزَلَهُ فَمَا قَبَضَهُ مِنْ شَيْءٍ جَعَلَهُ لِلْكَعْبَةِ، ثُمَّ يُقَسِّمُ بقية السهم الذي عزله على خمسة للرسول ومن بعده الآية. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: رُوِيَ عَنْ زَيْنِ الْعَابِدِينَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْخُمُسَ لَنَا، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَقَالَ: يَتَامَانَا وَمَسَاكِينِنَا وَأَبْنَاءِ سَبِيلِنَا. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: إِنَّ الْخُمُسَ يُقَسَّمُ عَلَى خَمْسَةٍ، وَإِنَّ سَهْمَ اللَّهِ، وَسَهْمَ رَسُولِهِ وَاحِدٌ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ. الْقَوْلُ الْخَامِسُ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: إِنَّهُ يُقَسَّمُ الْخُمُسُ عَلَى ثَلَاثَةٍ: الْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينُ، وَابْنُ السَّبِيلِ، وَقَدِ ارْتَفَعَ حُكْمُ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْتِهِ كَمَا ارْتَفَعَ حُكْمُ سَهْمِهِ. قَالَ: وَيَبْدَأُ مِنَ الْخُمُسِ بِإِصْلَاحِ الْقَنَاطِرِ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْجُنْدِ. وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنِ الشَّافِعِيِّ. الْقَوْلُ السَّادِسُ: قَوْلُ مَالِكٍ: إِنَّهُ مَوْكُولٌ إِلَى نَظَرِ الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ، فَيَأْخُذُ مِنْهُ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ، وَيُعْطِي مِنْهُ الْغُزَاةَ بِاجْتِهَادٍ، وَيَصْرِفُ الْبَاقِيَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَبِهِ قَالَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَبِهِ عَمِلُوا، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قوله صلّى الله عليه وسلّم «مالي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ. وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ» فَإِنَّهُ لَمْ يُقَسِّمْهُ أَخْمَاسًا وَلَا أَثْلَاثًا. وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَا فِي الْآيَةِ مِنْ ذِكْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِمْ. لِأَنَّهُمْ مِنْ أهل مَنْ يُدْفَعُ إِلَيْهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ مُحْتَجًّا لِهَذَا القول:
قال الله تعالى يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ «١» وَجَائِزٌ بِإِجْمَاعٍ أَنْ يُنْفَقَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ إِذَا رَأَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ وَلِذِي الْقُرْبى قِيلَ: إِعَادَةُ اللَّامِ فِي ذِي الْقُرْبَى دُونَ مِنْ بَعْدِهِمْ، لِدَفْعِ تَوَهُّمِ اشْتِرَاكِهِمْ فِي سَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقُرْبَى عَلَى أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ قُرَيْشٌ كُلُّهَا. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، وَاسْتُدِلَّ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا صَعِدَ الصَّفَّا جَعَلَ يَهْتِفُ بِبُطُونِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا قَائِلًا: يَا بَنِي فُلَانٍ يَا بَنِي فُلَانٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ: هُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ. وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: هُمْ بَنُو هَاشِمٍ خَاصَّةً، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَمُجَاهِدٍ. قَوْلُهُ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ قَالَ الزَّجَّاجُ عَنْ فِرْقَةٍ: إِنِ الْمَعْنَى فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ، وَقَالَتْ
(١) . البقرة: ٢١٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute