مُسْتَأْنَفًا مِنْ جِهَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ. قَوْلُهُ: إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ الظَّرْفُ مَعْمُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ هُوَ اذكر، ويجوز أن يتعلق بنكص، أو بزين، أو بشديد الْعِقَابِ قِيلَ: الْمُنَافِقُونَ: هُمُ الَّذِينَ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَأَبْطَنُوا الْكُفْرَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ هُمُ الشَّاكُّونَ مِنْ غَيْرِ نِفَاقٍ، بَلْ لِكَوْنِهِمْ حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَوَافَقُوا الْمُنَافِقِينَ فِي قَوْلِهِمْ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ، أَعْنِي غَرَّ هؤُلاءِ أَي: الْمُسْلِمِينَ دِينُهُمْ حَتَّى تَكَلَّفُوا مَا لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ مِنْ قِتَالِ قُرَيْشٍ وَقِيلَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ هُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ بِهِمُ الْيَهُودُ السَّاكِنُونَ فِي الْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا، وَأَنَّهُمْ هُمْ وَالْمُنَافِقُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالُوا هذا الْمَقَالَةَ عِنْدَ خُرُوجِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَدْرٍ، لَمَّا رَأَوْهُمْ فِي قِلَّةٍ مِنَ الْعَدَدِ وَضَعْفٍ مِنَ الْعُدَدِ، فَأَجَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ، وَلَا يُذِلُّ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ حَكِيمٌ لَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ الَّتِي تَقْصُرُ عِنْدَهَا الْعُقُولُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَاذْكُرُوا اللَّهَ قَالَ: افْتَرَضَ اللَّهُ ذِكْرَهُ عِنْدَ أَشْغَلِ مَا يَكُونُونَ: عِنْدَ الضِّرَابِ بِالسُّيُوفِ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثِنْتَانِ لَا يُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَعِنْدَ الْبَأْسِ، حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» .
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ الصَّوْتَ عِنْدَ الْقِتَالِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ يَقُولُ: لَا تَخْتَلِفُوا فَتَجْبُنُوا وَيَذْهَبُ نَصْرُكُمْ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ قَالَ: نَصْرُكُمْ، وَقَدْ ذَهَبَ رِيحُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ حِينَ نَازَعُوهُ يَوْمَ أُحُدٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ الْآيَةَ، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَاتَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يوم بَدْرٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: لَمَّا خَرَجَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَدْرٍ خَرَجُوا بِالْقِيَانِ وَالدُّفُوفِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: أَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابُهُ يَوْمَ بَدْرٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عن قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: كَانَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ الَّذِينَ قَاتَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ خَرَجُوا وَلَهُمْ بَغْيٌ وَفَخْرٌ، وقد قيل لهم: ارْجِعُوا فَقَدِ انْطَلَقَتْ عِيرُكُمْ وَقَدْ ظَفِرْتُمْ، فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ، حَتَّى يَتَحَدَّثَ أَهْلُ الْحِجَازِ بِمَسِيرِنَا وَعَدَدِنَا، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَئِذٍ: «اللَّهُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا قَدْ أَقْبَلَتْ بِفَخْرِهَا وَخُيَلَائِهَا لِتُجَادِلَ رَسُولَكَ» ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ قَالَ يَوْمَئِذٍ: «جَاءَتْ مِنْ مَكَّةَ أَفْلَاذُهَا» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ إِبْلِيسُ فِي جُنْدٍ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَمَعَهُ رَايَةٌ فِي صُورَةِ رِجَالٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، وَالشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْشَمٍ فَقَالَ الشَّيْطَانُ: لَا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ وَأَقْبَلَ جِبْرِيلُ عَلَى إِبْلِيسَ، فَلَمَّا رَآهُ وَكَانَتْ يَدُهُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ انْتَزَعَ إِبْلِيسُ يَدَهُ وَوَلَّى مُدْبِرًا هو وشيعته، فقال الرجال: يَا سُرَاقَةُ إِنَّكَ جَارٌ لَنَا فَقَالَ: إِنِّي أَرى مَا لَا تَرَوْنَ وَذَلِكَ حِينَ رَأَى الْمَلَائِكَةَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ قَالَ: وَلَمَّا دَنَا الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قَلَّلَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيُنِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَلَّلَ الْمُشْرِكِينَ فِي أَعْيُنِ الْمُسْلِمِينَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute