[من آداب طالب العلم: التحلي برونق العلم]
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله تعالى في كتابه (حلية طالب العلم) في فصل (آداب الطالب في نفسه): [الأدب السابع: التحلي برونق العلم، وحسن السمت، والهدي الصالح؛ من دوام السكينة، والوقار، والخشوع، والتواضع، ولزوم المحجة بعمارة الظاهر والباطن، والتخلي عن نواقضها.
فعن ابن سيرين رحمه الله تعالى قال: كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم.
وعن رجاء بن حيوة رحمه الله تعالى أنه قال لرجل: حدثنا ولا تحدثنا عن متماوت ولا طعان.
رواهما الخطيب في (الجامع)، وقال: يجب على طالب الحديث أن يتجنب اللعب، والعبث، والتبذل في المجالس بالسخف، والضحك، والقهقهة، وكثرة التنادر، وإدمان المزاح، والإكثار منه، فإنما يستجاز من المزاح بيسيره ونادره وطريفه، والذي لا يخرج عن حد الأدب وطريقة العلم، فأما متصله وفاحشه وسخيفه فما أوغر منه صدوراً، وجلب الشر فإنه مذموم، وكثرة المزاح والضحك يضع من القدر، ويزيل المروءة.
انتهى.
وقد قيل: من أكثر من شيء عرف به، فتجنب هاتيك السقطات في مجالستك ومحادثتك، وبعض من يجهل يظن أن التبسط في هذا أريحية.
وعن الأحنف بن قيس قال: جنبوا مجالسنا ذكر النساء والطعام، إني أبغض الرجل يكون وصافاً فرجه وبطنه.
وفي كتاب المحدث الملهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في القضاء: ومن تزين بما ليس فيه شانه الله.
وانظر شرحه لـ ابن القيم رحمه الله].
نعم، المقصود من هذا الأدب هو أن الإنسان مادام يطلب العلم فلابد أن يتحلى برونق العلم، فللعلم رونق خاص، ولأصحابه وصف خاص يتميزون به، فهم لا يتكلفون، لكنهم في نفس الوقت ليسوا مثل أصحاب الفسق أو أصحاب المجون الذين لا يضبطون كلامهم ولا يضبطون أخلاقياتهم فيما بينهم.
فكثير من الناس قد يتمازحون، لكن التمازح أنواع: فهناك مزاح لطيف يدخل السرور على قلب الإنسان ويحترم فيه الأخ أخاه، وهناك نوع آخر من المزاح يسيء فيه إلى الآخرين، ويكون فيه تبذل وسخف، ويكون فيه قلة أدب، ويكون فيه إساءة إلى الشخص نفسه، ولهذا كم من مزاح انتهى -والعياذ بالله- إلى مشكلات بين الإخوان والأصدقاء، فقد يكون المزاح في بعض الأحيان بالتعيير: إما بالقبائل، أو المناطق، أو بالأشكال، أو الأنساب أو بأي أمر من الأمور.
ولا شك أن لأهل العلم وطلاب العلم أخلاقيات خاصة من حيث الأدب، وحسن السمت مع الآخرين، والبعد عن جرح مشاعرهم، ولهذا فكثير من الناس قد يخرجون في سفر واحد مجموعة فيرجعون أفراداً، يعني: يخرجون خمسة أشخاص أو عشرة أشخاص ثم يرجعون وكل واحد لوحده، أو كل اثنين مع بعض، والسبب أنه لا يحترم بعضهم بعضاً، ولا يقدر بضعهم بعضاً، أو يتجاوزون فيما بينهم فيما يتعلق بالمزاح حتى يصل إلى القطيعة والفرقة والعياذ بالله.
ولهذا على الإنسان أن يحرص غاية الحرص على أن يتحلى برونق العلم، وأن يبتعد عن إحراج إخوانه، فبعض الأحيان قد يتكلم إنسان بكلام، ويكون في كلامه مدخل لإحراجه، فهنا يتميز المتحلي برونق العلم من الشخص الآخر السخيف الذي لا يهمه، فالمتحلي برونق العلم يبتعد عن إحراجه ويبتعد عن إزعاجه، وأما الإنسان الذي ليس فيه شيء من هذه الآداب فإنه سيحرجه، وربما تنقلب مثل هذه الإحراجات إلى سفه وتبذل في النطق ونحو ذلك، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى: بعض الأحيان قد يحصل بين الإخوة اختلاف مثلاً في وجهات النظر، فيغضب أحدهم لرأيه، وهنا يبرز رونق العلم وأدب العلم، فإن الإنسان حتى ولو غضب لرأيه فلابد أن يضبط نفسه، وأن يستجيب للدعاء المشهور: اللهم إني أسألك قول كلمة الحق في الرضا والغضب، وبعض الناس يكون وضعه مختلفاً إذا كان راضياً فتجد أنه من أحسن الناس أدباً، ومن أحسن الناس ابتسامة، فإذا غضب انقلب تماماً وأصبح شخصاً آخر، فيكون ممن إذا خاصم فجر، وإذا تكلم كذب، وإذا نطق أسف في النطق ونحو ذلك، وهذا لا شك أنه ليس من أخلاق وآداب طالب العلم، وإنما ينبغي لطالب العلم في أسوأ الحالات التي تمر عليه أن يضبط نفسه، وأن يتحلى بالآداب وحسن الأخلاق في التعامل مع إخوانه جميعاً.