[الإيمان بالبعث والنفخ في الصور والحشر والحساب]
قال المؤلف رحمه الله: [والبعث بعد الموت حق، وذلك حين ينفخ إسرافيل عليه السلام في الصور].
البعث هو: الإخراج من القبور، يقول الله عز وجل: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن:٧]، فالناس يبعثون يوم القيامة من قبورهم.
وقد أخبر الله عز وجل بهذا وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأحاديث كثيرة في ما يتعلق بالنفخ في الصور، والصور كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عبارة عن قرن، وأن الملك الذي ينفخ فيه هو إسرافيل، وأنه حنا جبهته ينظر متى يؤمر بهذا النفخ فينفخ، فتقوم القيامة حينئذ والبعث يكون بعد القيامة.
قال المؤلف رحمه الله: [{فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} [يس:٥١]، ويحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً بهماً].
الحشر معناه: الجمع، ويكون ذلك بعد البعث، فيحشرون على أرض بيضاء نقية مستوية كما جاء في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الأرض تزول منها كل الأعلام، والمقصود بالأعلام الجبال والبيوت وكل أمر ناتئ، وتبدل الأرض غير الأرض كما أخبر الله عز وجل، ويمدها الله عز وجل كما يمد الأديم وتتوسع، ولهذا يحشر العباد إلى بلاد الشام، ولكن ليست بنفس الحجم الموجود الآن؛ لأن العباد يحشرون من زمن آدم إلى آخر من تقوم عليهم الساعة، لكن الأرض تغير وتصبح أرضاً أخرى.
ومعنى (حفاة) غير منتعلين، ومعنى (عراة) العاري الذي لا ثياب له، ومعنى (غرلاً) ليسوا مختونين، كما قال الله عز وجل: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء:١٠٤] يعني: كما خرج الناس من بطون أمهاتهم ليسوا بمختونين فإنهم يخرجون من قبورهم كما خرجوا من بطون أمهاتهم.
وجاء في بعض الأحاديث الواردة في صفة البعث أن الله عز وجل يمطر الأرض بمطر مثل مني الرجال، وأن الإنسان يفني كل جسده إلا عجب الذنب ومنه ينبت الإنسان، ثم تنشق عنهم الأرض ويخرجون من قبورهم مثل خروج النبات، فيكونون جميعاً عراة، ويكون أول من يكسى هو إبراهيم عليه السلام، ويعلل العلماء ذلك بأنه عندما رمي في النار رموه وهو عار عليه السلام، فكافأه الله عز وجل بأن كانت النار برداً وسلاماً عليه، وكافأه أيضاً بأنه أول من يحشر يوم القيامة إذا بعث الناس عراة.
وجاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (يا رسول الله! ينظر بعضهم إلى بعض! قال: يا عائشة الأمر أعظم من ذلك وأكبر من ذلك).
ومعنى (بهماً) ليس معهم شيء من أملاكهم، يعني: يخرج الإنسان مثل مولده، كما قال الله عز وجل: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء:١٠٤]، وهذا هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حسن.
قال المؤلف رحمه الله: [فيقفون في موقف القيامة حتى يشفع فيهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويحاسبهم الله تبارك وتعالى].
معنى الحساب: أن الله عز وجل يطلع ويخبر عباده بما كانوا يعملون في الدنيا، يقول الله عز وجل: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:٢٥ - ٢٦]، وهذه الأمور السابقة مجمع عليها بين أهل العلم، لكن الذي يحاسب هم أهل الإسلام فقط، وأما الكفار فإنهم يسحبون إلى النار بسبب الكفر، لكن لا يحاسبون، لأن الحساب يكون لمن كان له حسنات وسيئات، أما الكفار فإنهم لا يوجد لهم حسنة، فإن الكفر يزيل كل الحسنات، كما أخبر الله عز وجل: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم:١٨]، وكما جاء في حديث عبد الله بن جدعان رضي الله عنه، عندما سألت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (يا رسول الله! إنه كان يطعم الفقير ويكسو الناس، أليس له شيء؟ فقال: لا يا عائشة، إنه لم يقل يوماً من الدهر.
رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)، وعندما سئل عن حاتم الطائي وكان رجلاً كريماً يطعم الناس، قال: (ذاك رجل كان يريد شيئاً فناله) يعني: يريد المدح والثناء فحصل له ذلك.
وأول من يحاسب هم أهل الإسلام، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)، وأول من يفتح له الباب هو الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (آتي باب الجنة، فيقول الملك: من الطارق؟ فأقول: محمد، فيقول: لك أمرت أن أفتح، لا أفتح لغيرك)، ثم تدخل بعد ذلك أمته، منهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ثم بعد ذلك تدخل بقية الأمم