[تعريف أهل السنة للإيمان]
[ولا تعتقد رأي الخوارج إنه مقال لمن يهواه يردي ويفضح ولا تك مرجياً لعوباً بدينه ألا إنما المرجي بالدين يمزح وقل إنما الإيمان قول ونية وفعل على قول النبي مصرح وينقص طوراً بالمعاصي وتارة بطاعته ينمي وفي الوزن يرجح].
هذه الأبيات تتعلق بموضوع الإيمان، وهي مشتملة على موضوعات متعددة سبق أن أشرنا إليها، منها تعريف الإيمان، ولهذا قال: (وقل إنما الإيمان قول ونية وفعل على قول النبي مصرح).
يعني: أنه عرف الإيمان بأنه قول ونية وفعل، وقلنا: هذا أحد التعريفات التي عرف بها السلف الإيمان، فإن هناك تعريفات متعددة للسلف في باب الإيمان.
قال بعضهم: إن الإيمان قول وعمل.
وقال بعضهم: الإيمان: قول وعمل ونية، وقصدوا بالنية عمل القلب.
وقال بعضهم: هو قول وعمل ونية واتباع للسنة.
وقال بعضهم: هو قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان وكل هذه التعريفات صحيحة، فهي تعبر عن حقيقة واحدة، فمن قال: إن الإيمان قول وعمل، قصد قول القلب، وقول اللسان، وعمل القلب، وعمل الجوارح.
ومن قال: إن الإيمان قول وعمل ونية، خشي أن يفهم بعض الناس من قوله: عمل، عمل الجوارح، ويغفل عن عمل القلب فأفردها، وقال: قول وعمل ونية.
والذي قال: الإيمان قول وعمل ونية واتباع للسنة وزاد: اتباع السنة، أراد أن ينبه إلى أن القول بدون اتباع السنة لا يكون مقبولاً، والعمل كذلك، والنية كذلك إذا كانت غير موافقة للسنة لا تكون مقبولة.
ومن عرف الإيمان بأنه قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، نظر إلى تعريف الإيمان باعتبار جوارح الإنسان، فمنه ما يتعلق بلسانه، ومنه ما يتعلق بقلبه، ومنه ما يتعلق بجوارحه، فهذه التعريفات كلها صحيحة، والمعنى واحد وهو: أن الإيمان لابد فيه من قول اللسان، ومن تصديق القلب، ومن عمل القلب مثل: الخشية، والتوكل، والمحبة والرجاء ونحو ذلك، وعمل الجوارح أيضاً.
ونبه إلى زيادة الإيمان ونقصانه فقال: (وينقص طوراً بالمعاصي وتارةً بطاعته ينمي وفي الوزن يرجح) يعني: الإيمان ينقص بالمعاصي وينمو بالطاعة، فهو يزيد وينقص على نحو ما سبق وبيناه، لكن المعاصي لا تزيل الإيمان بالكلية، وهذا من الفوارق بين عقيدة أهل السنة والخوارج، فالخوارج يرون أن كبائر الذنوب إذا اقترفها الإنسان يكون كافراً، فهم يكفرون من فعل الزنا أو السرقة أو شرب الخمر، ويرون أنه يكفر بمجرد النقص في العمل؛ بينما أهل السنة يرون أن عمل الجوارح وعمل القلوب واسع، منه ما هو واجب، ومنه ما هو مستحب، ومنه ما هو أصل في الإيمان، يزول الإيمان بزواله، فليس كله نوعاً واحداً، ولهذا قال عن أصحاب المعاصي: (ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا فكلهم يعصي وذو العرش يصفح) يعني: أصحاب المعاصي عندنا مؤمنون بإيمانهم، فساق بمعاصيهم، ولهذا يسميهم بعض أهل العلم: الفاسق الملي، يعني: أن الشخص في ملة الإسلام، لكنه فسق بمعصيته، هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بالذنوب والمعاصي، إلا نواقض الإيمان، فنواقض الإيمان ليست مثل الزنا، وليست مثل شرب الخمر، وليست مثل السرقة، نواقض الإيمان تخرج الإنسان عن دائرة الإسلام، مثل: الشرك بالله، ومثل: الاستهزاء بالدين، ومثل: سب الله أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بغضهم أو بغض بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو التحاكم إلى شريعة أخرى غير شريعة الإسلام، أو نحو ذلك، فكل ذلك من الشرك الذي ينقل عن دائرة الإسلام إلى الكفر والعياذ بالله.
فهناك فرق بين نواقض الإيمان وبين الذنوب والمعاصي، فنواقض الإيمان حتى لو ارتكبها شخص من أهل القبلة فإنه بفعله هذا ينقض إيمانه؛ لأن نواقض الإيمان تزيل الإيمان بالكلية، إلا إذا كان له عذر، كأن يكون جاهلاً أو متأولاً، أو غافلاًً أو ناسياً، أو أياً من الأعذار التي تمنع التكليف عن الإنسان، فإنه يكون معذوراً بهذه، ويكون قد ارتكب بفعله هذا كبيرة من كبائر الذنوب، ويحذر من هذا الفعل الخطير الذي هو ناقض من نواقض الإيمان.