[كيفية الطلب والتلقي]
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله تعالى في كيفية الطلب والتلقي: [وكان من أهل العلم من يدرس الفقه الحنبلي في زاد المستقنع للمبتدئين، والمقنع لمن بعدهم للخلاف المذهبي، ثم المغني للخلاف العالي، ولا يسمح للطبقة الأولى أن تجلس في درس الثانية وهكذا، دفعاً للتشويش].
هذا من باب تنظيم المعلومات، فالمدارس النظامية تكونت في المجتمع الإسلامي في المساجد في بداية الأمر، فقد كانوا في المساجد يدرسون العلم، فمن خلال تدريس العلم بدءوا يصنفون الطلاب، ويجعلون للمبتدئين كتباً، ويجعلون للمتقدمين كتباً، وللذين أعلى منهم كتباً، ويجعلون للمتقدمين مجموعةً من الكتب، حتى تكونت المدارس النظامية، والمدارس النظامية التي يوزع فيها الطلاب أول من بدأ هذه المدارس النظامية هو وزير من وزراء الدولة العباسية يقال له: نظام الملك، وبدأ مدرسة في العراق، وكان ممن يدرس فيها أبو حامد الغزالي، صاحب المصنفات المشهورة، وكان نظام الملك صنع هذه المدارس، ثم نجحت هذه الفكرة فعممت في البلاد الإسلامية، وأصبحت المدارس النظامية كثيرة جداً، مثل دار الحديث الأشرفية في دمشق، وابن القيم الجوزية منسوب لمدير إحدى هذه المدارس، فالجوزية كانت مدرسة في دمشق، أبوه قيم عليها، وقيم معناه: مدير لها، وابن القيم ابنه؛ ولهذا نسب إليها لشهرتها ولشهرة هذا المدير.
فهذا التقسيم أمره طبيعي حتى تحصل الإنسان العلم بشكل متقن ومؤسس، يعني: يبدأ الطالب في كتاب، فإذا انتهى منه وأتقنه انتقل إلى كتاب أعلى منه، فيستفيد في تأكيد معلوماته السابقة، ويزيد عليها، ثم ينتقل إلى الأعلى، وهكذا حتى ينتهي من هذا العلم إلى المطولات الطويلة التي يشتغل بعد ذلك بجردها وتصحيح ما فيها.
قال: [واعلم أن ذكر المختصرات فالمطولات التي يؤسس عليها الطلب والتلقي لدى المشايخ، تختلف غالباً من قطر إلى قطر، باختلاف المذاهب، وما نشأ عليه علماء ذلك القطر من إتقان هذا المختصر والتمرس فيه دون غيره].
كثير من طلاب العلم، أول ما يبتدئ طلبه للعلم يبدأ يسأل: ما هي الكتب التي يبدأ بها؟ وليس المهم هو الكتب في حد ذاتها بقدر أن يدرك الإنسان أنه يبدأ بالمختصرة، ثم ينتقل إلى الأعلى ثم إلى الأعلى ثم إلى الأعلى، هذه هي الفكرة الأساسية.
أما أن الكتاب الفلاني أكثر فائدة فإن هذا راجع إلى ما اعتاد عليه الناس في أقطارهم، فمثلاً عندنا القطر الحجازي، كانت تدرس هناك كتب تختلف عن الكتب التي كانت تدرس في القطر النجدي، وتختلف عن الكتب التي تدرس في القطر اليماني، وتختلف عن الكتب التي تدرس في القطر المصري والقطر المغربي والشامي ونحو ذلك، لكن أهم شيء في المسألة هو أن يتدرج الإنسان وأن يبدأ بمختصر، ثم ينتقل إلى أعلى منه، وأن تكون هذه الفقرة مضبوطة، وأن يكون الشيخ الذي يدرس هذا المختصر متقناً له، يفهم ما هي مسائل هذا المختصر ويدركها إدراكاً جيداً.
هذه هي أهم قضية في هذا الموضوع؛ ولهذا نجد أن الشيخ هنا وضع مجموعة من الكتب، ويسميها بعض المشايخ برنامجاً عملياً، فالشيخ عبد العزيز قارئ له كتاب اسمه برنامج عملي للمتفقهين.
فإني أنصح طلاب العلم بالرجوع إلى كتب العلماء المشهورين، مثل الشيخ بكر أبو زيد، وعبد العزيز قارئ وغيرهم، وإن كان بعض طلبة العلم قد يجتهد ويضع برنامجاً، لكن الالتزام بما يذكره أهل العلم الكبار أولى وأنفع لطالب العلم، فيضعون برامج لطالب العلم، بينما نجد في كتاب الشوكاني: نهاية الأرب في أدب الطلب مجموعةً من الكتب ليست موجودة عندنا الآن، وليس لها شيوخ يدرسونها، ولم يدرسوا هذه الكتب، وهكذا في القطر المصري، وهكذا في غيرها من الأقطار.
قال: [والحال هنا تختلف من طالب إلى آخر باختلاف القرائح والفهوم وقوة الاستعداد وضعفه، وبرودة الذهن وتوقده، وقد كان الطلب في قطرنا بعد مرحلة الكتاتيب، والأخذ بحفظ القرآن الكريم يمر بمراحل ثلاث لدى المشايخ في دروس المساجد، للمبتدئين ثم المتوسطين، ثم المتمكنين، ففي التوحيد ثلاثة الأصول وأدلتها، والقواعد الأربع، ثم كشف الشبهات، ثم كتاب التوحيد أربعتها للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، هذا في توحيد العبادة.
وفي توحيد الأسماء والصفات: العقيدة الواسطيه، ثم الحموية، والتدمرية؛ ثلاثتها لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فالطحاوية مع شرحها.
وفي النحو: الأجرومية، ثم ملحة الإعراب للحريري، ثم قطر الندى لـ ابن هشام، وألفية ابن مالك مع شرحها لـ ابن عقيل.
وفي الحديث: الأربعين للنووي، ثم عمدة الأحكام للمقدسي، ثم بلوغ المرام لـ ابن حجر، والمنتقى للمجد بن تيمية رحمهم الله تعالى، فالدخول في قراءة الأمهات الست وغير