ثم انتقل إلى إثبات المكر والكيد لله عز وجل على ما يليق بجلاله، وبالنسبة للصفات تنقسم إلى قسمين: صفات يمكن أن تنسب إلى الله عز وجل بدون قيد، وصفات تنسب إلى الله عز وجل بقيد، منها المكر والكيد، فالمكر والكيد يمكن أن يوصف الله عز وجل بهما بشرطين: الشرط الأول: أن يكون العبد قد مكر وكاد قبل ذلك، فيكون هذا من جنس الجزاء والعقوبة.
والأمر الثاني: أن يكون بأهله، أي: أن يكون بمن مكر، ولهذا تلاحظون أن الآيات الواردة في هذا الموضوع:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ}[الأنفال:٣٠] وهكذا، {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف:٥]، وسيأتي الإشارة لها في باب القدر فيما يتعلق بإضلال الله للعباد أو هدايته لهم بإذن الله تعالى.
وقوله:{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[آل عمران:٥٤]، {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}[النمل:٥٠]، فتلاحظون أن فعل العبد قبل ذلك.
وقوله:{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا}[الطارق:١٥ - ١٦]، فهنا تلاحظون صفة المكر والكيد هي عبارة عن عقوبة على فعل سابق، ويكون المكر والكيد مذموماً عندما يكون ابتداء، لكن عندما يكون جزاء على فعل العبد فإنه لا يكون من النقص بأي وجه من الوجوه.