حكم تكفير المعين إذا ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام
السؤال
هل يحكم على شخص معين يدعي الإسلام بالكفر إذا ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام مثل موالاة الكفار ومحاربة المسلمين؟
الجواب
أولاً: موالاة الكفار ليست ناقضة مطلقاً، وإنما هو بحسب ما يكون في عقيدة الإنسان الذي يوالي، فإذا كانت الموالاة بمجرد التشبه أو الحب لغير وصف الدين، مثلاً لأنه ظريف، لأنه لطيف، لأنه عالم، لأنه يحسن لعب الكرة، فهذا لا يعتبر كفراً مخرجاً عن الملة، وإنما هو كبيرة من الكبائر.
أما الموالاة لأجل دينه، يعني: محبته لأجل دينه؛ فهذا هو الكفر المخرج عن الملة.
وأيضاً ليست محاربة المسلمين مطلقاً كفراً، لكن إذا كانت لأنهم مسلمون فهذا كفر، أما إذا حاربهم مثلاً لأنه يريد أن يوسع أرضه مثلاً، فهذا ظالم وفاجر لكن لا يصل إلى درجة الكفر.
أما إذا ارتكب الإنسان ناقضاً حقيقياً من نواقض الإيمان؛ فإنه عند الحكم عليه لا بد من وجود الشروط وانتفاء الموانع، يعني: لا يصح الحكم عليه مطلقاً، فهناك فرق بين الفعل والفاعل، فقد يأتي إنسان بناقض من النواقض لكن هو نفسه لا يكفر، ولا يخرج عن الإسلام لوجود مانع من الموانع.
فـ حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه وقع في ناقض عندما كتب إلى كفار قريش يخبرهم بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فهذا ناقض من النواقض، لكنه هو نفسه لم يكفر، لوجود مانع من الموانع وهو التأويل، ولهذا عذره النبي صلى الله عليه وسلم.
وهكذا الرجل الذي قال لأهله: (إذا أنا مت فأحرقوني، ثم ذروا رفاتي في الهواء، ثم قال: لئن قدر علي الله ليعذبنني عذاباً شديداً) فهو يعرف الله عز وجل وهو يعظم الله عز وجل، بل إنه خائف من الله سبحانه وتعالى، ووجه الكفر عنده أنه شك في قدرة الله، فهو ليس بكافر لعارض الجهل، فليس كل من وقع في كفر يكون كافراً، قد يكون لديه عذر كأن يكون جاهلاً -وليس الجهل عذراً في كل حال، وإنما هناك تفصيلات دقيقة عند أهل العلم- أو مكرهاً أو متأولاً أو نحو ذلك، فلا يصح للإنسان أن يكفر الأشخاص لمجرد أنهم تلبسوا بالكفر.
ولهذا أريد أن أنبه إلى قضية مهمة جداً، وهي أن كثيراً من الشباب يتعجل وقد يصل به الحال أن يكفر عالماً من العلماء، لأن عالماً من العلماء يقول كلمة قد لا يؤيد المجاهدين -مثلاً- فيها، صحيح قد يكون مخطئاً، قد يكون ظالماً مثلاً بحسب قوله، قد يكون مبتدعاً؛ لكن التكفير خطير، فلا يصح للإنسان أن يتجرأ على تكفير أهل العلم، أو على تكفير هيئات معينة، أو جهات معينة.
ولهذا نحن بحاجة إلى أن يكون طالب العلم عفيف اللسان، بل عليه أن يبتعد عن بعض الناس الذين يجلسون في مجالسهم فيتكلمون ويلوكون في أخبار بعض أهل العلم الذين يكون لهم مواقف أو آراء اجتهدوا فيها، نعم قد يكون بعضهم أخطأ فيها، لكن ليس كل خطأ كفراً، وليس كل من وقع في مسألة قد تكون هي كفر في ذاتها يكون كافراً، ولهذا ينبغي للإنسان أن يحذر غاية الحذر من هذا.
وهناك قاعدة مشهورة عند العلماء: الخطأ في العذر خير من الخطأ في العقوبة، بمعنى: أنك عندما تجد إنساناً مسلماً في الأصل ثم تلبس بكفر، ثم تخاف من تكفيره وتقول: هو مسلم عندي، وقد يكون هو كافراً في الحقيقة، فهذا الخطأ أخف بكثير من أن تطلق الكفر على إنسان قد يكون مسلماً، ولهذا فالتعجل والكلام بدون علم هو الذي يوصل الإنسان إلى كثير من الزلات.
ولهذا ليس هناك أفضل من أن يكون الإنسان ملتزماً بالسنة، وعلى طالب العلم أن يكون عفيف اللسان بعيداً عن الوقيعة في أهل العلم، فالوقيعة في أهل العلم علامة شؤم على الإنسان.
صحيح أن المخطئ لا نقبل قوله حتى ولو كان عالماً، ونحن أهل السنة والجماعة -ولله الحمد- لا نقلد قول عالم مخالف للدليل الصحيح الصريح الواضح، لكن إذا اجتهد عالم يجب أن يعذر، فإذا كان عالماً من أهل السنة ثم اجتهد في مسألة فلم يوفق في اجتهاده، فإن غاية ما هنالك أن يكون قد أخطأ فله أجر، أو قد تكون زلة من جنس الذنوب والمعاصي، وما لديه من الأعمال الفاضلة والطيبة يمحو الله عز وجل بها هذه الزلة.
إذاً: ينبغي أن يحذر الإنسان غاية الحذر، وأن يتأدب مع أهل العلم غاية الأدب.