[فساد عقيدة المرجئة والخوارج في الإيمان والكفر]
لقد بين المؤلف رأيين فاسدين في الإيمان والكفر: الرأي الأول: رأي الخوارج، والرأي الثاني: رأي المرجئة.
فأما الخوارج فهم متشددون في باب الإيمان وهم من الغلاة، فإنهم غلوا في باب الإيمان وكفروا أصحاب الكبائر، وقالوا: إن أصحاب الكبائر كفار، إذا زنى الزاني عندهم يكون كافراً، وإذا سرق السارق يكفرونه، وإذا قتل القاتل يكفرونه، ونحو ذلك من الكبائر، وهذا غلو وإسراف، فأصحاب الكبائر ليسوا كفاراً وإن كان إيمانهم ناقصاً، ولهذا شرع الله العقوبات والحدود، فلو كانت هذه الأعمال تخرج عن دائرة الإسلام لما كان للحدود معنى، لماذا يجلد الزاني إذا كان شاباً عزباً ويرجم إذا كان محصناً؟ لأن هذه الحدود تطهر أصحابها، وهذا يدل على أنها وقعت على أشخاص عقوبة مع بقائهم على الإسلام.
وكذلك القتل، ولهذا قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة:١٧٨] فلو كان القاتل يخرج عن الإسلام لما جاز العفو عنه، مع أنه يجوز العفو عنه وأخذ الدية حتى لو كان قاتلاً، هذا في حالة القاتل قتل العمد، أما في حالة القاتل قتل الخطأ فإن فيه الدية كما هو معلوم، فرأي الخوارج خطير؛ لأنهم يكفرون المسلمين، ولهذا سماهم النبي صلى الله عليه وسلم: كلاب أهل النار، ولهذا فالتشدد والغلو ليس فيه خير، والواجب الالتزام بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم دون غلو مثل غلو الخوارج، ودون تفريط مثل تفريط المرجئة كما سيأتي.
فالخوارج غلوا فكفروا المسلمين، فالنبي صلى الله عليه وسلم تكلم عن الخوارج في أحاديث وردت عنه، وذلك عندما اعترض عليه الرجل الذي جاءه يوم حنين وقال: (اعدل يا محمد! قال: ويلك فمن يعدل إن لم أعدل، فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم: يخرج من ضئضئ هذا -يعني: من ظهره- أقوام تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)، وهذا يدل على خطورة عقيدة الخوارج، ولهذا ينبغي للإنسان أن ينضبط في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، بعيداً عن الغلو الذي أوصل الخوارج إلى أن أصبحوا كلاب أهل النار.
والخوارج قاتلهم علي بن أبي طالب والصحابة رضوان الله عليهم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يخرجون على حين فرقة من الناس، وأنهم إذا خرجوا فإن أولى الطائفتين بالحق تقاتلهم، فقاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفرح الصحابة بقتالهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من يقاتلهم فإنهم من خير الناس في زمانهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد) وهذا يدل على خطورتهم، مع أنهم عباد يصلون وفي وجوههم مثل ركب المعزى من السجود، وهم من أهل التهجد والصيام، ومع ذلك خالفوا أصل دين المسلمين وكفروا المسلمين.
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم من أوصافهم: أنهم يقتلون أهل الإسلام ويعذرون أهل الأوثان، يعني: هم أهل حمق، لأنهم يعذرون أهل الأوثان، فهم يعذرون أهل الذمة ونحو ذلك، لكن إذا وجدوا أحد المسلمين قتلوه، فقد قاتلوا الصحابة، وقالوا: قتال الصحابة أولى من قتال الروم، وهذا من جهلهم وضلالهم وانحرافهم.
وأيضاً: هناك طائفة أخرى ضد هذه الطائفة تماماً وهم المرجئة، والمرجئة عكس هؤلاء، فالخوارج كفروا المسلمين بالكبائر، هؤلاء المرجئة يرون أن من دخل في نواقض الإيمان فإنه لا يكفر، يعني: لو أن شخصاً جعل يسب الله ويسب الرسول لا يكفرونه، فنقول: لماذا لا تكفرونه؟ قال: لعله مصدق بقلبه، نقول: كيف يكون مصدقاً بقلبه وهو يسب الله ويسب الرسول؟! فهؤلاء المرجئة قالوا: لا تكونوا متشددين تكفرون الناس.
فهؤلاء المرجئة عكس الخوارج تماماً، يقع الواحد من الناس في الشركيات كأن يطوف حول القبر، ويذبح لغير الله، وينذر لغير الله، ويسب الله عز وجل، أو يسب الرسول، أو يكفر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً، أو يتحاكم إلى ملة غير ملة الإسلام، ومع هذا يعذرونه ولا يكفرونه، فهؤلاء عكسهم، وكلتا الطائفتين من أهل البدع والضلالة، ولهذا قال: (ولا تعتقد رأي الخوارج إنه مقال لمن يهواه يردي ويفضح ولا تك مرجياً لعوباً بدينه ألا إنما المرجي بالدين يمزح)