باب القدر في الحقيقة هو جزء من أبواب الصفات؛ فعندما تأملنا لمراتب القدر الأساسية التي من آمن بها فقد آمن بالقدر بصورته الصحيحة، نجد أنها كلها راجعة إلى صفات الله سبحانه وتعالى، فالقدر هو فعل الله عز وجل في الخلق.
لكن أهل العلم أفردوه بالتأليف وبالكلام، وجعلوه باباً مستقلاً؛ لكثرة الخلط الذي وقع في هذا الباب العظيم من أبواب الدين.
والقدر ورد وجوب الإيمان به في القرآن الكريم، كما قال الله عز وجل:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:٤٩]، وورد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الإيمان به، وأشهر حديث في ذلك هو حديث جبريل الطويل، عندما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الإسلام، والإيمان، والإحسان، وأشراط الساعة، فكان مما أجابه به عن الإيمان أن قال:(أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره).
بل إن سبب حديث جبريل هو ظهور طائفة في البصرة تنكر القدر، فأصل الحديث: هو أن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميري جاءا من البصرة حاجين، فلما كانا في يوم عرفة التقيا بـ عبد الله بن عمر قال: فاكتنفته أنا وصاحبي، فقلت: يا أبا عبد الرحمن! إنه ظهر قبلنا قوم يتقفرون العلم -يعني: يدعون العلم ويشتغلون به- يقولون: إنه لا قدر، وإن الأمر أنف، يعني: الأمر محدث، وأن العبد يفعل فعله بدون قدر من الله، وبدون علم من الله وهذا يدل على أن بدعة القدرية ظهرت في زمن الصحابة رضوان الله عليهم.
فتبرأ منهم هذا الصحابي، وقال: أخبروهم: أنني براء منهم، وأنهم برآء مني، والذي نفس ابن عمر بيده لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً لم يقبله الله منه حتى يؤمن بالقدر.
ثم ساق لهم حديث جبريل عن والده عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد).