للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثبات صفة النزول لله تعالى]

صفة النزول من الصفات الثابتة لله سبحانه وتعالى، وهي من الصفات المتعلقة بمشيئة الله عز وجل، والتي يسميها بعض السلف: الصفات الاختيارية.

وهذه الصفات متعلقة بمشيئة الله إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها.

والنزول لم يرد فيه آية صريحة، وإنما ورد ما يدل عليه، وهي صفة الإتيان والمجيء؛ فإن الإتيان والمجيء لفصل القضاء في معنى النزول أو قريباً منه، وأما النزول بشكل صريح؛ فإنه ورد في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث مشهور رواه أكثر من عشرة من الصحابة، وبلغ حد التواتر، كما صرح بذلك بعض أهل العلم، وهو الحديث المشهور: (ينزل ربنا في الثلث الأخير من الليل) إلى آخر الحديث.

وأهل البدع يحرفون معنى هذا الحديث، ولهم عدة مناهج في هذا: إما أن يردوا الحديث ويقولوا: هذا من أخبار الآحاد غير مقبول، وإما أن يقولوا: إنه مؤول، فيقولون: هناك تقدير مضاف، وهو: ينزل أمر ربنا، أو ينزل ملك من الملائكة! مع أن النص واضح في أن الذي ينزل هو الله سبحانه وتعالى، ولا يصح أن يقال: ملك؛ فإنه لو كان النازل ملكاً من الملائكة أو أمراً من الله عز وجل فإنه لا يضاف إلى الله سبحانه وتعالى.

ونفاة هذه الصفة هم عامة أهل الكلام من المعتزلة والأشعرية والكلابية والماتريدية وغيرهم؛ فإنهم يحرفون هذه الصفة ويؤولون معناها، ويقولون: إنه لا ينزل بل الذي ينزل أمره.

وقد ألف في هذه الصفة مجموعة من أهل العلم منهم الدارقطني رحمه الله، فله كتاب مطبوع باسم صفة النزول.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاب كبير بعنوان: شرح صفة النزول، وهو مطبوع ضمن الفتاوى، وبمفرده، وقد استعرض فيه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الأحاديث الكثيرة، والأدلة الدالة على أن هذه الصفة ثابتة لله سبحانه وتعالى، وأشهرها الحديث الذي سبق ذكره، وبيَّن شيخ الإسلام رحمه الله الأصل الفاسد الذي بنى عليه أهل البدع نفي هذه الصفة، وهو قولهم إن إثبات الصفات الاختيارية يستلزم حلول الحوادث في ذاته تعالى، وهو قديم ليس بحادث، وبناءً على هذا ينفون هذه الصفة، وقد أطال رحمه الله الكلام على ذلك.

وقد سبق أن أشرنا إلى أن هذه القضية أنها من الأصول العقلية التي نفى من أجلها أهل البدع صفات الله سبحانه وتعالى.

قال أبو بكر بن أبي داود رحمه الله تعالى: [وقل ينزل الجبار في كل ليلة بلا كيف جل الواحد المتمدح إلى طبق الدنيا يمن بفضله فتفرج أبواب السماء وتفتح يقول ألا مستغفر يلق غافراً ومستمنح خيراً ورزقاً فيمنح روى ذاك قوم لا يرد حديثهم ألا خاب قوم كذبوهم وقبحوا].

يقول: (وقل ينزل الجبار في كل ليلة).

وقد ورد نزول الله عز وجل في عشية عرفة أيضاً، وهذا النزول الذي يكون في كل ليلة هو نزول يليق بجلال الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>