أشكل علي تعريف أهل السنة للإيمان، وما حصل من التشابه بينه وبين تعريف المعتزلة، حيث يقولون: إن الإيمان النطق والاعتقاد والعمل، وكأن الفرق بينهما أن السلف جعلوا العمل للكمال، والمعتزلة جعلوا العمل شرطاً، فما هو الفرق؟
الجواب
السلف يعرفون الإيمان بأنه قول وعمل، والمعتزلة والخوارج كذلك يعرفون الإيمان بأنه قول وعمل، والمعتزلة يرون أن من ترك جزءاً من العمل فإنه يكفر؛ لأنهم يعتقدون أن العمل وحدة واحدة لا تزيد ولا تنقص، فإذا فقد منه جزء فقد فقد العمل بأكمله فيكفر صاحبه، فمن فقد بر الوالدين مثلاً فإنه يكفر عندهم، وهكذا بقية الأعمال من حيث الترك أو من حيث فعل الكبائر.
أما أهل السنة فإنهم يعرفون الإيمان بنفس التعريف، يقولون: الإيمان قول وعمل، لكن العمل عندهم يزيد وينقص، والقول يزيد وينقص فما دام أنه يزيد وينقص، فمنه ما يذهب الإيمان بزواله، ومنه ما يذهب كمال الإيمان بزواله، مثاله: شهادة (أن لا إله إلا الله) قول من تركه ذهب عنه الإيمان بالمرة، ومحبة الله عمل، من ترك محبة الله بالمرة فهو كافر، وهكذا من ترك الخوف من الله بالمرة، لكن من ترك جزءاً من العمل كطاعة الوالدين أو ترك العفة فوقع في الزنا، أو ترك أمر النبي صلى الله عليه وسلم باجتناب الخمر فشاربها لم يكفر عند أهل السنة، هذا هو الفارق بينها.
وأما الكلام العام الذي أشرت إليه وهو قولك: السلف جعلوا العمل للكمال، والمعتزلة جعلوه شرطاً، فهذا تفريق عام غير دقيق، وذلك أن السلف جعلوا بعض العمل كمالاً، لكن جعلوا بعضه جزءاً أساسياً وركناً أساسياً، مثل: محبة الله والخوف منه، والتوكل عليه، ومثل شهادة التوحيد، وكذلك جنس العمل -أي: عموم العمل- ليس من الكمال بل هو أساسي يزول الإيمان بزواله.
وقولك: إن المعتزلة جعلوا العمل شرطاً، فإن كلمة (كمال) و (شرط) مصطلحات لا بد من تحديدها حسب مفهوم المتكلم بها، وقد وضحت الفرق بين تعريف السلف وتعريف المعتزلة والخوارج للإيمان، فهم اتفقوا أن الإيمان قول وعمل، لكن اختلفوا فيما يترتب عليه، فالمعتزلة يرون أن الإيمان قول وعمل، وأنه لا يزيد ولا ينقص، فمن ترك جزءاً منه وقع في الكفر، وأما السلف فيرون أن الإيمان يزيد وينقص، وأن منه ما يزول الإيمان بزواله، ومنه ما لا يزول الإيمان بزواله.