كذلك ينبغي أن نتعلم مناهج أهل السنة في التعامل مع القرآن والسنة، لأن هناك طوائف ترى الاستدلال بأدلة ليست من القرآن والسنة مثل المتكلمين الذين جاءوا بالدليل العقلي وجعلوه صنواً للدليل الشرعي، أو مثل المقلدين الذين يجعلون قول الإمام مثل النصوص الشرعية، أو مثل الشيعة الذين يجعلون قول أئمتهم مثل النصوص الشرعية باعتبار أنهم معصومون، فالمناهج في طريقة التعامل مع الكتاب والسنة تنقسم إلى قسمين: مناهج سنية سلفية صحيحة، ومناهج بدعية ضالة منحرفة.
إذاً: يجب أن نتعلم التمييز بين هذه المناهج، ويكون ذلك بدراسة أصول الفقه وبتعلم طريقة الصحابة رضوان الله عليهم في الإفتاء، وفي كيفية التعامل مع القرآن ومع السنة، وبهذا تكون كل أمور المسلمين وأهل السنة منضبطة، فليس هناك قول من الأقوال إلا وله حكم شرعي، وليس هناك عقيدة إلا ولها حكم شرعي، وليس هناك فكرة إلا ولها تقويم شرعي، ومن الخطأ الكبير الذي نعايشه خصوصاً مع موجة الإعلام المعاصر الآن الذي يدندن حول الرأي والرأي الآخر كما يسمونه، أرادوا أن يفقدوا أهل السنة والدعاة والمصلحين هذه الخاصية التي تميزهم عن غيرهم، فنحن أهل السنة لدينا خاصية مميزة وهي أنه إذا حكمنا على كاتب من الكتاب أنه مبتدع فنحن لا نحكم عليه بالهوى، وإذا حكمنا على شخص بأنه كافر فنحن لا نحكم عليه بالهوى، وإذا حكمنا على شخص بأنه مخطئ فنحن لا نحكم عليه بالهوى، فالإنسان كما يكون ملتزماً في سلوكه وفي أخلاقه بالشريعة، يجب أن يكون ملتزماً في أحكامه وفي عقائده بالشريعة أيضاً، ولهذا هناك باب كبير من أبواب العقيدة اسمه: باب الأسماء والأحكام، هذا الباب تابع لباب الإيمان والكفر، فهناك أسماء شرعية لها حدود منضبطة في القرآن والسنة، فهناك اسم الكافر، والمشرك، والفاسق، والضال، والمبتدع، والزنديق مثلاً، وهناك أيضاً أحكام: خارج عن الإسلام يجب أن يقتل، أمة محاربة يجب أن تقاتل، مستأمنون، أهل بدع يجب هجرهم، أشخاص مجتهدون أخطئوا لهم أجر، لكنهم ملتزمون بالسنة، وهكذا أمور كثيرة في الشريعة يجب أن نتعلمها حتى نعرف كيف نكون ملتزمين بالكتاب والسنة في أحكامنا وفي إطلاقنا للأسماء على الناس.
والحقيقة: أن هذا يدل بشكل مؤكد على أهمية تعلم العلم الشرعي، فإن العلم الشرعي إذا تعلمه الإنسان والتزم بكلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه سيكون منضبطاً في ما يطلقه من أسماء وأحكام على الخلق.
وأكثر الخلافات التي نسمعها الآن هي متعلقة بالأسماء والأحكام، فهناك طائفة متسرعة في إطلاق الأسماء والأحكام على الخلق بشكل غير منهجي وغير شرعي، وهناك طائفة أخرى تطالب باحترام الآخر، ويجعلون كلمة الآخر هكذا مفتوحة، وهذه (كلمة الآخر) كلمة جديدة لها عشر سنوات، صار الناس يرددونها: ما هو موقفك من الآخر؟ يجب أن تكون متسامحاً مع الآخر، الرأي والرأي الآخر، وكأن الآخر هذا ليس له تقويم، الآخر هذه كلمة عائمة بحسبه، إن كان كافراً فحكمه الكفر، وإن كان مسلماً فهو بحسب حاله، وإن كان مبتدعاً فهو مبتدع، وإن كان من أهل السنة فهو من أهل السنة، ثم أهل السنة يختلفون، فمنهم من يصيب فله أجران، ومنهم من يخطئ فله أجر، فالفوضى التي نلاحظها في ما يتعلق بالأسماء والأحكام سببها عدم التأصيل الشرعي، فتجد مثلاً من مهنته وبضاعته الأساسية القراءة في الصحافة وفي المجلات ثم يتكلمون عن قضايا عميقة وصعبة بدون علم شرعي، كذلك تجد من ليس لديهم معلومات شرعية كافية، بل هم من المبتدئين من طلاب العلم، تجد أنهم يتكلمون في قضايا حساسة وخطيرة، ويطلقون الأسماء والأحكام في هذا الموضوع.
ولهذا نحن بحاجة إلى التعلم بشكل مستمر.
أولاً: أن نعلم حجية الكتاب والسنة والأدلة الدالة التي تجعل الإنسان يطمئن بشكل كبير على أن الكتاب والسنة حجة في ذاتهما.
والأمر الثاني: أن نتعلم المناهج الشرعية في طريقة التعامل والاستدلال بالكتاب والسنة.
والأمر الثالث: أن نتعلم ضوابط وحدود الأسماء الشرعية، وضوابط وحدود الأحكام المترتبة عليها، وحينئذ يتكلم الإنسان بعلم، أو يجب عليه أن يسكت إذا كان الحال في قضية ليس لديه علم شرعي فيها، فالتخبط والحيرة والفوضى التي نراها اليوم في كثير من الناس، سواء على مستوى شباب الدعوة أو على مستوى أعم وأشمل من ذلك، سببه هو عدم الدارسة الكافية، أو أنه في بعض الأحيان قد يظن الإنسان أن طريقة طلب العلم هي: أن تدرس متناً، ويدرسه بطريقة آلية، يعني: يعرف صاحب الكتاب ويعرف المسائل الموجودة والأدلة فقط بدون أن يفهم ويتفقه، ولهذا تحدث أهل العلم كثيراً في الكتب التي صنفوها في العلم أن العلم ليس هو حفظ المسائل وتكرار المسائل واجترارها بشكل مستمر، وإنما العلم الفقه، أي: أن يفهم الإنسان حدود الأسماء الشرعية، وحدود الأحكام المترتبة عليها، وأن يتكلم الإنسان بعلم أو يسكت بدون أن يكون عليه مسئولية شرعية بسبب كلمة يتكلم بها.