[آداب طالب العلم مع شيخه]
قال المؤلف رحمه الله: [ولا تناده باسمه مجرداً، أو مع لقبه كقول: يا شيخ فلان، بل قل: يا شيخي.
أو يا شيخنا، فلا تسمه، فإنه أرفع في الأدب، ولا تخاطبه بتاء الخطاب، أو تناديه من بعد من غير اضطرار، وانظر ما ذكره الله تعالى من الدلالة على الأدب مع معلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم في قوله: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور:٦٣] الآية.
وكما لا يليق أن تقول لوالدك ذي الأبوة الطينية: يا فلان أو يا والدي فلان، فلا يجمل بك مع شيخك! والتزم توقير المجلس، وإظهار السرور من الدرس والإفادة به، وإذا بدا لك خطأ من الشيخ أو وهم فلا يسقطه ذلك من عينيك؛ فإنه سبب لحرمانك من علمه، ومن ذا الذي ينجو من الخطأ سالماً.
واحذر أن تعامله بما يضجره، ومنه ما يسميه المولدون (حرب الأعصاب)، بمعنى: امتحان الشيخ على القدرة العلمية والتحمل.
وإذا بدا لك الانتقال إلى شيخ آخر فاستأذنه بذلك، فإنه أدعى لحرمته، وأملك لقلبه في محبتك والعطف عليك، إلى آخر جملة من الآداب يعرفها بالطبع كل موفق مبارك، وفاء لحق شيخك في أبوته الدينية، أو ما تسميه بعض القوانين باسم الرضاع الأدبي، وتسمية بعض العلماء له الأبوة الدينية أليق، وتركه أنسب، واعلم أنه بقدر رعاية حرمته يكون النجاح والفلاح، وبقدر الفوت يكون من علامات الإخفاق].
لا شك أن لأهل العلم مكانة ينبغي أن يعطوا إياها، وذلك أن الله عز وجل رفعهم عنده درجات، يقول الله عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:١١].
وإذا كانت الملائكة من عباد الله المكرمين الذين يطيعونه في كل ما أمر، ويتركون كل ما نهى عنه سبحانه وتعالى، ومع ذلك جاء في الحديث المشهور قوله: (وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع)، فإذا كان هذا في حالة طالب العلم، فكيف بحال العالم الذي تقدم به العلم، وأصبح من أهله وحملته، ولهذا يجدر بنا العناية باحترام العلماء، وتقديرهم وإجلالهم، فإن تقدير العلماء من تقدير العلم، وإجلال العلماء من إجلال ما يحملونه من العلم، ولهذا لا يليق أبداً ما نلاحظه هذه الأيام من القدح بأهل العلم، والتنقص منهم وذمهم وعيبهم، فيتهم هذا بالجبن، ويتهم هذا بترك الإنكار، ويتهم ذاك بما يصطلح عليه البعض من الإخوة المتحمسين بأنه انبطاحي، يعني: أنه ليس من الأشخاص الذي يطالبون بالجهاد في كل فترة، وبأي أسلوب.
ولا شك أن هذا من أقبح الكلام، فلا يليق بطالب العلم أن يكون طعاناً شتاماً لأهل العلم، وإذا رأى الإنسان في أحد من العلماء نقصاً أو زللاً أو خطأ، فليعلم أن كل إنسان فيه خطأ ونقص وزلل، وأن الإنسان إذا كان فيه خير كثير، وفيه زلل، فإن خيره الكثير ينبغي للإنسان أن يلتفت إليه، وأن ينظر إليه، وأن يدعو الله عز وجل أن يغفر له خطأه وزلله.
كما ينبغي للإنسان أن يكون متوازناً بين احترام أهل العلم وتقديرهم، وبين عدم قبول ما لا دليل عليه، فإن العالم مهما كان عالماً قد يقع في الخطأ.
ونحن مطالبون شرعاً بالتزام الأدلة الشرعية في القرآن والسنة، لكن لا يعني هذا ذم العالم المخالف وانتقامه، فإن الذم شيء واتباع الدليل شيء آخر، ولهذا ينبغي على طالب العلم أن يدرك حرمة أهل العلم ومكانتهم، وأن يبتعد عن تنقصهم وازدرائهم، والخطر الكبير على الشخص أن يكون خصيمه يوم القيامة عالماً من العلماء، أو مجاهداً من المجاهدين، أو صادقاً من الصادقين، أو آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، ولهذا فالأجدر بالإنسان أن يكون ورعاً في تصرفاته، وألا يذم أحداً، ولا يتنقص أحداً.
وإذا كان هناك خطأ في أحد فإنه يبينه مع الالتزام بالأدب والخلق الرفيع، فالخلق وحسن الأدب من أعظم ما يزين الإنسان، ولهذا تحدث أهل العلم بأنه لا يمكن للإنسان أن ينتفع من الشيخ إلا إذا كان صاحب أدب وحسن خلق، أما إذا كان جريئاً طعاناً في أهل العلم، فإن مثل هذا لا يمكن أن يكون مستفيداً فضلاً عن كونه مفيداً للناس، ولهذا فهذه الفقرة تدلك على أهمية أهل العلم، فهذا ابن عباس رضي الله عنه الصحابي الجليل والعالم المشهور والمفسر الذي ليس هناك أعلم منه في هذا الباب كان يأخذ بالركاب لـ زيد بن ثابت، وكان زيد بن ثابت من العلماء أيضاً، فيتعجب زيد بن ثابت من هذا التصرف ويقول: [أتأخذ بالركاب وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فيقول: بهذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا]، فإذا كان هذا ابن عباس العالم الجليل فكيف بغيره ممن هو دونه بمراحل متعددة.
ولهذا ينبغي على الإنسان أن يقدر أهل العلم، وإذا وجدت أمة من الأمم أو وجدت طلاباً، أو دعاة، أو إخوة من الصالحين لا يحترمون أهل العلم، ولا يقدرونهم، فاعلم أن هؤلاء على غير الجادة وعلى غير السنة النبوية، التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم.
ولكن هذا لا يعني أنه