[ذكر ما جاء في الاعتصام بالكتاب والسنة]
هذا هو الدرس الأخير من دروس العقيدة المتعلق بالكتب الثلاثة ذات الموضوع المتقارب، وهي: حائية ابن أبي داود، ولمعة الاعتقاد للحافظ ابن قدامة المقدسي، والواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وسبق أن قلنا: إن أبواب هذه الكتب الثلاثة متقاربة إلى درجة كبيرة، ومن خلال دراستنا السابقة لهذه الكتب تبين لنا أن هذه الكتب مشتركة في أبواب متعددة، مثل: باب الصفات وباب القدر وباب الإيمان وباب الغيبيات وباب الصحابة، ونحوها من الأبواب، وقارنا بين هذه الكتب الثلاثة، وهذه الدراسة التي هي دراسة في الموضوعات أكثر مما هي دراسة في المتون، ومع مراجعة المتون تبين أن كثيراً من الكتب مشتركة في كثير من المسائل، وأن الأبواب العلمية متقاربة في كثير من الكتب، وحينئذ ينبغي على طالب العلم أن يميز بين المسائل المكررة والمسائل المتميزة من كتاب إلى كتاب آخر.
بقي معنا في حائية ابن أبي داود مجموعة من الأبيات تتعلق بالاعتصام بالكتاب والسنة، والاعتصام بالكتاب والسنة باب عظيم من أبواب العقيدة، وهو من أعظم الأبواب التي يتميز بها أهل السنة والجماعة عن غيرهم من الفرق الضالة المنحرفة، فإن الفرق الضالة اتخذت مصادر في العقيدة غير الكتاب والسنة، بل إنها تجاوزت هذا الأمر إلى الطعن في دلالة الكتاب والسنة على المسائل العقدية، ولهذا كثيراً ما يكرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -وخصوصاً في كتابه درء تعارض العقل والنقل- أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالحق التام في المسائل والدلائل، أي: في المسائل العقدية، وفي الأدلة عليها، فإن هذا الدين دين كامل شامل لحياة الإنسان المتعددة الجوانب.
وقد أفرد البخاري رحمه الله في صحيحه كتاباً مستقلاً عن الاعتصام بالكتاب والسنة، وملأه بالأحاديث والآثار عن هذه القضية المهمة، والتي ينبغي على طالب العلم أن يتعلمها وأن يدركها، وقد وردت كثير من النصوص الشرعية تأمر بطاعة الله عز وجل وتقرن معها طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، كقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة:٩٢].
قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: إن الآيات الواردة في الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم قد تصل إلى التسعين آية، وذلك بأوجه متعددة وبأشكال مختلفة، منها: قول الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧] وهذا يشمل المسائل العقدية والمسائل العملية والمناهج وبناء الحياة، ولهذا لما جاءت المرأة إلى ابن مسعود وسألته عن النمص وقالت: لم أجد ذلك في كتاب الله، قال: بل هو في كتاب الله، ثم قرأ عليها هذه الآية: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧]، ثم روى الحديث المشهور في لعن النامصة والمتنمصة والمتفلجات للحسن.
ومن ذلك قول الله عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥].
ومنه أيضاً قول الله عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:٦٣].
ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنه عندما وجد قوماً يكررون كلام الشيخين - أبي بكر وعمر - في النهي عن المتعة، قال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول لكم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر! فكيف بمن يرد قول الرسول صلى الله عليه وسلم لقول عالم، بل كيف من يرد قول النبي صلى الله عليه وسلم لقول كاتب، أو لقول شخص بسيط فضلاً عن زنديق أو مجرم أو كافر أو نحو ذلك؟ ولهذا فإن رد كلام النبي صلى الله عليه وسلم فيه خطر على عقيدة الإنسان؛ لأنه يوصل إلى الشرك والعياذ بالله.
وقد جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تحث على الاعتصام بالكتاب والسنة، كما في حديث العرباض بن سارية المشهور عندما قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون -إلى قوله-: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، وهذا الحديث من أحاديث الأربعين النووية التي انتقاها الإمام أبو زكريا النووي رحمه الله، وهي من جوامع الكلم التي عليها مدار كثير من المسائل في الدين.
ومن الأحاديث المهمة أيضاً وهي من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم في باب الاعتصا