انتهينا في باب القدر إلى أهم المسائل العقدية المتعلقة به، وبينا الخلاف الذي وقع في الأمة في موضوع القدر، والدرجات المتفاوتة للمخالفين لمنهج السلف في باب القدر، وأساس هذا الخلاف وأنواعه من حيث الأحكام الشرعية، فمنه ما يكون كفراً ناقلاً عن الملة، ومنه ما يكون بدعة.
أما حائية ابن أبي داود فليس فيها كلام حول القدر بشكل مباشر إلا قوله:[وبالقدر المقدور أيقن فإنه دعامة عقد الدين والدين أفيح].
وقد سبق أن بينا أن القدر وارد في القرآن، كما قال تعالى:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:٤٩].
ومنازل القدر، أو درجات القدر، أو أساسيات القدر، أو أركان القدر هي: العلم والكتابة والمشيئة والخلق، وهذه منصوص عليها أيضاً في آيات كثيرة جداً في القرآن.
علم الله عز وجل الشامل لكل شيء، وكتابته لأحوال العباد، ومشيئة الله عز وجل العامة، وخلق الله عز وجل لأفعال العباد، ولكن هذه الآية {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:٤٩] نص في اسم القدر، وإلا فإن معناه ومضمونه مبثوث في القرآن وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
لاشك أن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، ولهذا كان موقف ابن عمر رضي الله عنهما عندما جاءه العراقيان وكان في مسجد نمرة في يوم عرفة في الحج، فأخبراه أنه ظهر في البصرة قوم يتقفرون العلم، ويقولون: لا قدر، والأمر أنف، أن تبرأ منهم رضي الله عنه، وقال: أخبروهم أنني بريء منهم وأنهم برآء مني، ولو أن أحدهم أنفق مثل أحد ذهباً ما قبله الله عز وجل منه حتى يؤمن بالقدر.
ثم نقل عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحديث المشهور الطويل في قصة جبريل لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وسأله عن أركان الإسلام والإيمان والإحسان وأشراط الساعة.