ذكر رضا الله وغضبه وسخطه وكراهيته وأنه متصف بذلك: قوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}[المائدة:١١٩]، فيه إثبات صفة الرضا لله، وفيه إثبات صفة الرضا للمخلوق، ورضا الله يختلف عن رضا المخلوق.
وقوله:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ}[النساء:٩٣]، سيأتي معنا الحديث والكلام في موضوع حكم القتل، وهل الإنسان إذا قتل مسلماً متعمداً يكون خالداً مخلداً في النار في باب الإيمان، وما يتعلق بالكلام حول الكبائر وتكفير أصحاب الكبائر، ومحل الشاهد هنا هو قوله:((وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ))، والغضب صفة من صفات الله عز وجل، وقد فسرها أهل الكلام وأولوها بأنها إرادة الانتقام.
ويقول سبحانه وتعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}[محمد:٢٨]، ففيه إثبات السخط لله عز وجل، وهو بمعنى الكره.
وقال:{فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ}[الزخرف:٥٥] هذه الآية فيها إثبات صفتين: الصفة الأولى الغضب، وهي مأخوذة من قوله:((آسَفُونَا))، فالأسف هو الغضب، ((انتَقَمْنَا مِنْهُمْ))، هذه صفة الانتقام، ولهذا تورط نفاة الصفات مع هذه الآية؛ لأنهم فسروا الغضب بالانتقام، وهنا جمع بين الصفة وبين ما فسروا بها، قال:((فَلَمَّا آسَفُونَا)) يعني: أغضبونا ((انتَقَمْنَا مِنْهُمْ))، فأصبح الانتقام مترتباً على الغضب، فهو فعل مترتب على فعل وليسا شيئاً واحداً، يعني: ليست صفة الغضب وصفة الانتقام بمعنى واحد؛ لأنهما لو كانتا بمعنى واحد لاكتفى بواحدة منهما، فلما جمع بينهما دل ذلك على أن هذه صفة وهذه صفة أخرى.
وأهل البدع دائماً يتورطون، فقد جاء المعتزلة إلى أبي عمرو بن العلاء وهو من القراء المشهورين، فطلبوا منه أن يقرأ قول الله عز وجل:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء:١٦٤] وينصب لفظ الجلالة: (وكلم اللهَ موسى تكليماً)؛ حتى يكون الكلام من موسى، فقال: أرأيتم لو فعلت ذلك فما تفعلون بقول الله عز وجل: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}[الأعراف:١٤٣]؟! فلن يستطيعوا أن يهربوا من هذه الآية.
يقول: لو أنني أنقذتكم من هذه الآية لتورطتم في الآية الأخرى، وكلاهما من القرآن وهي ملزمة لكم.
ونفي الصفات بنوه على أصول عقلية وليس هناك أي ارتباط بالنصوص الشرعية، لكن عندما يناقشون ويجادلون أهل السنة يضطرون إلى الاستدلال بالنصوص الشرعية، فيستدلون بآية الشورى:((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ))، فيقال لهم أكملوا، فيقولون:((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)).
وكان عمرو بن عبيد من أزهد الناس فيما يتعلق بمتاع الدنيا، لكن الزهد الحقيقي هو زهد القلب، فقال: وددت أنني حككتها من المصحف، يعني قوله:((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ))، ويتمنى أن يكتب مكانها: وهو العزيز الحكيم؛ لأن العزة والحكمة صفات ليست مرتبطة بما يزعمون من التشبيه؛ لأنها من الصفات التي يسمونها الصفات النفسية، فعزة الله لا ينكرها أحد، وكونه حكيماً لا أحد يقول إنه ليس كذلك، لكن السمع والبصر هم يزعمون أن هذه تقتضي أن تكون جوارح لله عز وجل كما يعبرون، فقال: وددت أنني حككتها من المصحف، وهذا يدل على وجود الهوى عند هؤلاء! ويقول الله عز وجل:{وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ}[التوبة:٤٦]، وهذه فيه إثبات صفة الكره، ويقول:{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}[الصف:٣]، والمقت هو الكره أيضاً.