قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الخامس والعشرون: النهمة في الطلب.
إذا علمت الكلمة المنسوبة إلى الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه:(قيمة كل امرئ ما يحسنه)، وقد قيل: ليس كلمة أخص على طلب العلم منها، فاحذر غلط القائل: ما ترك الأول للآخر! وصوابه: كم ترك الأول للآخر! فعليك بالاستكثار من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، وابذل الوسع في الطلب والتحصيل والتدقيق، ومهما بلغت في العلم فتذكر كم ترك الأول للآخر، وفي ترجمة أحمد بن عبد الجليل من تاريخ بغداد للخطيب، ذكر من قصيدة له: لا يكون السري مثل الدني لا ولا ذو الذكاء مثل الغبي قيمة المرء كل ما أحسن المرء قضاء من الإمام علي].
معنى النهمة في الطلب أن يكون عند الإنسان عشق للعلم وتعلق به، وأن لا يشبع من العلم، ولا يشعر أنه قد حصل على المطلوب من العلم، كأن فبعض الناس يرسم لنفسه مقداراً معيناً من العلم، فإذا وصل إليه ظن أنه قد انتهى من العلم، يتخرج من كلية شرعية ويظن أنه انتهى، أو يأخذ شهادة الدكتوراه ويظن أنه قد انتهى، وهذا الظن يدل على أنه لم يفهم العلم، وأنه ليس لديه رغبة حقيقة فيه.
قيل في بعض الآثار: منهومان لا يشعبان: طالب العلم، وطالب الدنيا، طالب الدنيا لو أعطيته ملايين لتمنى بلايين، وإذا أعطيته مليارات يتمنى ما هو أكثر، فكلما أعطيته نوعاً اشتهى نوعاً آخر، وكذلك طالب العلم؛ لكن طالب العلم يشتهي الأمر المباح والواجب، وأما صاحب الدنيا فقد يقع في الحرام والعياذ بالله.
فينبغي للإنسان أن تكون لديه نهمة في طلب العلم، فإذا وجد كتاباً أو درساً يفرح بذلك، وتجد أنه يلتهم هذا الكتاب من الجلدة إلى الجلدة، وتجد أنه حريص على العلم، وأنه حريص على المذاكرة، وأنه حريص على الحفظ، وأنه حريص على الفهم، ويبدو حرصه في طلبه للعلم، وليس الحرص في كثرة التنقل بين الدروس، أو يكون لديك في اليوم الواحد ثلاثة دروس أو أربعة دروس بل إن الحرص الحقيقي هو: كثرة دراستك للعلم وإتقانك له، هنا يكون حرصك صحيحاً.