[كيفية التعامل مع المصطلحات الحادثة]
وكذلك الحال في أي مصطلح من المصطلحات التي يؤتون بها، فلا يجوز للإنسان أن يقبل هذا المصطلح مطلقاً، ولا أن يرده مطلقاً، فهذه قاعدة في مصطلحات أهل الكلام، أو مصطلحات الصوفية، أو حتى المصطلحات العصرية، فهناك مصطلحات عصرية بدأت تظهر، كالحوار مثلاً أو التعايش، أو مثلاً من المصطلحات الجديدة التي بدءوا يرددونها: الإقصاء، فيقولون: لا تكن شخصاً إقصائياً، فماذا تقصد بكلمة إقصائي؟ قال: معناها: لا تحجر على رأيي، أو مثلاً يقول لك: الاعتراف، فيجب أن نعترف بكذا، وبعض الناس يقول: يجب أن نعترف بالأفكار الجديدة التي جاءتنا من الغرب، فما معنى كلمة الاعتراف به؟ هل هو الاعتراف بأنه موجود؟ فإذا كان الاعتراف بأنه موجود فهو موجود، لكن إذا كان المراد الاعتراف بأحقيته، وأنه صاحبه معذور فهذا معنى فاسد؛ لأن الشرك والكفر لا يحق أبداً لأي أحد أن يعترف به بهذا المعنى وهذه الدلالة.
ولهذا يا إخواني! فالمصطلحات الكلامية، والمصطلحات الصوفية، والمصطلحات الصحفية التي بدأت تظهر الآن لا يصح للإنسان أبداً بأي وجه من الوجوه أن يحاكم الناس إليها أو يحاكم النصوص الشرعية إليه، وإنما إذا تكلم بها أحد نقول له: ماذا تعني بهذا الكلام؟ وماذا تقصد به؟ فإن كان يقصد به معنىً صحيحاً شرعياً قُبل، وإن كان يقصد به معنىً مخالفاً للشريعة فإنه يرد.
ونقول أيضاً: إنه لا يصح للإنسان أن يستخدم المصطلحات المطاطية والمصطلحات العامة في القضايا الخاصة، فإن القضايا الدقيقة الخاصة ينبغي أن تستخدم لها ألفاظ دقيقة خاصة تدل عليها، فمثلاً كلمة حوار الآن أصبح يرددها كثير من الناس، وأننا الآن في عالم الحوار، والحوار مع الآخر، وحتى كلمة الآخر هذه ليس لها معنىً محدد، فالآخر يحتمل أن المقصود به: النصارى والملاحدة، ويحتمل أن يقصد به المخالف لي في مسألة فقهية؛ لأنه فعلاً آخر.
فالكلمات المطاطية العامة بهذا الأسلوب لا يصح استخدامها خصوصاً في القضايا العقدية الحساسة التي ينبغي فيها التفصيل والكلام الدقيق، والتي ينبغي أن يكون الإنسان فيها دقيقاً في ألفاظه؛ حتى يحدد الأمور بشكل دقيق، وأما استخدام الكلام العام الإجمالي الذي يحتمل حقاً وباطلاً فهذه ليست طريقة شرعية، وإنما الطريقة الشرعية استخدام المصطلحات الشرعية أو على الأقل استخدام الألفاظ الخاصة التي تدل على معناها دون أي إشكال.
فكلمة الحوار يمكن أن يفهم الإنسان منها التقارب مع الآخرين، فيقول لك: حوار الأديان، فكلمة حوار الأديان كلمة عامة جداً، ماذا تقصد بحوار الأديان؟ هل تقصد دين النصارى مثلاً أو اليهود أو غيرهم من أصحاب الأديان الأخرى ونتقارب بحيث نتنازل عن قضية العداء للكفار والولاء للمؤمنين، إن كان هذا هو المعنى فهذا معنىً فاسد تخالفه النصوص.
وإن كان معنى الحوار: الدعوة، فندعوهم ونكلمهم فهذا طبيعي، فالدعوة توجه إلى المسلم، وتوجه إلى الكافر، وتوجه إلى النصراني، وتوجه إلى الملحد، والأولى أن نستخدم كلمة الدعوة ولا نستخدم كلمة الحوار التي فيها إشكال.
وإن كان يقصد بالحوار أن نترك القضايا العقدية ونتحاور في المصالح المشتركة بيننا وبينهم مثل: نفي الفقر ونحو ذلك، فنقول: وما علاقة الأديان بهذا؟ لماذا سميته حوار الأديان؟ فهذا تتبناه بعض الدول وله ضوابط شرعية في السياسات الشرعية، وهو بالجملة بعيد عن السنة باعتبار أن الذي ينبغي على الإنسان نحو أصحاب الأديان هو دعوتهم إلى الله عز وجل، وبيان التوحيد، وإنكار الشرك ونحو ذلك.
ولهذا يا إخواني! أنا أتمنى من الإخوة جميعاً أن يقرءوا رسالة شيخ الإسلام رحمه الله إلى ملك قبرص، وهو ملك نصراني أرسل إليه شيخ الإسلام رحمه الله رسالة عجيبة جداً تمتلئ عزة، وهذا نموذج للحوار، وفيها بيان للتوحيد، وفيها رد للشرك، وفيها السؤال عن أسراء المسلمين، وفيها قضايا متعددة وكثيرة ومهمة.
فهذا نموذج من نماذج الحوار، فالحوار لا يقتضي مثلاً إلغاء قضية محكمة، ونحن لا نريد الإطالة في موضوع الحوار كقضية، وإنما الهدف هو أن الكلمات الإجمالية لا يصح استخدامها في المسائل التفصيلية الدقيقة، وإنما ينبغي للإنسان أن يستخدم الألفاظ التي توصل إلى معانيها بدون إشكال.
فهم قالوا: التركيب يقتضي نفي الصفات الذاتية، وقالوا: الحدوث يقتضي نفي الصفات الفعلية، ومعنى الحدوث عندهم وجود الشيء بعد أن لم يكن موجوداً، وقالوا: إن الصفات المتعلقة بالإرادة لا بد أن تدل على الحدث.
فإذا كان الله عز وجل ضحك بعد أن لم يكن يضحك سابقاً، ثم ضحك مرة أخرى ثم ضحك مرة ثلاثة، فهذه تقتضي أن كل صفة من الصفات تستلزم حدوث هذه الصفة، والحدوث هو صفة المحدثات والمخلوقات ولا يصح وصف الله عز وجل به.
والجواب أن نقول: كلمة الحدوث كلمة إجمالية وعامة ما هو مدلولها المعنوي؟ قالوا: معناها وجود الشيء بعد أن لم يكن، قلنا: أتقصدون بوجود الشيء بعد أن لم يكن أن الله عز وجل لم يكن قادراً عليه ثم قدر عليه؟ إن كنتم تقصدون هذا فهو معنىً باطل، فالله عز وجل قادر على كل شيء،