[ملازمة خشية الله تعالى]
قال المصنف رحمه الله: [الثالث: ملازمة خشية الله تعالى: التحلي بعمارة الظاهر والباطن بخشية الله تعالى، محافظاً على شعائر الإسلام، وإظهار السنة ونشرها بالعمل بها، والدعوة إليها، دالاً على الله بعلمك وسمتك وعملك، متحلياً بالرجولة والمساهلة، والسمت الصالح].
الحقيقة يا إخوان! أن من تساهل في الواقع الذي نعيش فيه فإنه سيوصله إلى كثير من المحرمات والعياذ بالله، وسيجعله يرتكب كثيراً من الآثام بحجة الاستفادة أو بأي حجة من هذه الحجج، لكن يبغي للإنسان أن يحرص دائماً على نقاء نفسه وصفائها، وأن يحرص على التزامه بالسنة في الظاهر والباطن، وأن يبتعد عن كل وسيلة من الوسائل التي تفسد عليه قلبه والعياذ بالله.
ومن ذلك ملازمة خشية الله عز وجل، فالعلم ليس المقصود به الاستكثار من المسائل، وأن يكون عندك مسائل كثيرة ومحفوظات كثيرة، وعندك قدرة أن تسرد عشرات المسائل في وقت واحد، وإنما العلم الحقيقي هو الذي يؤثر فيك فيجعل عينك تدمع من خشية الله، ويجعل قلبك يخشع من خوف الله سبحانه وتعالى، ويجعل نفسك تشتاق إلى الجنة، ويدفعك إلى الجهاد في سبيل الله، ويدفعك إلى الدعوة إلى الله، ويدفعك إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويدفعك إلى العمل الصالح.
فهذا هو العلم النافع الصحيح، ولهذا يقول السلف: العلم علمان: علم القلب وعلم اللسان، فأما علم اللسان فهو حجة الله على عباده، وأما علم القلب فهو العلم النافع.
فعلم اللسان هو: معرفة المسائل وتشقيقاتها وتفصيلاتها ونحو ذلك، وهذا ليس مذموماً إذا انضم إليه علم القلب، لكن إذا كان الإنسان يظن أن العلم وحده هو علم اللسان فقط دون علم القلب ولا ينتفع به في قلبه، فهذا غير مستفيد في الحقيقة من هذا العلم.
ولهذا قيل لأحد العلماء: أيها العالم! فقال: لا تقل ذلك؛ إنما العلم خشية الله يعني: العلم هو الذي يورث في القلب الخشية، والخوف من الله سبحانه وتعالى، وينفع الإنسان في قلبه بالإنابة إلى الله، ويدفعه إلى الأعمال الصالحة كلها.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وملاك ذلك خشية الله تعالى، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أصل العلم خشية الله تعالى، فالتزم خشية الله في السر والعلن فإن خير البرية من يخشى الله تعالى، وما يخشاه إلا عالم.
إذاً فخير البرية هو العالم، ولا يغب عن بالك أن العالم لا يعد عالماً إلا إذا كان عاملاً، ولا يعمل العالم بعلمه إلا إذا لازمته خشية الله].
العلم هو الذي يدعو الإنسان إلى خشية الله، ولهذا قال السلف: كل من عصى الله فهو جاهل حتى ولو كان من أعلم الناس، أي: جاهل بقدر الله، وجاهل بحق الله، وجاهل بواجبات الإنسان الشرعية نحو الله سبحانه وتعالى.
وكل من أطاع الله فهو من أهل العلم في هذا الباب، ولهذا ينبغي للإنسان أن يحاسب نفسه دائماً، وأن يراجع نفسه، وأن ينظر إلى نفسه هل هو ما زال في طريق طلب العلم الصحيح، أم أن الأهواء والحياة قد جرفته وأخرجته عن طلب العلم الصحيح واشتغل بغيره؟ فهذا أمر يحتاج منا دائماً إلى مراجعة ومراقبة وتفكير وتأمل وعناية وحرص؛ لأن الإنسان في بعض الأحيان مع زخارف الدنيا، ومع أشغالها، ومع تقلبات الأهواء وأدواء الحياة قد ينحرف عن طريق طلب العلم وهو لا يشعر، ثم يتخبط والعياذ بالله، فتكون نهايته نهاية سيئة للغاية.
ولهذا لا بد من العناية بهذا الباب.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأسند الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى بسند فيه لطيفة إسنادية برواية آباء تسعة، فقال: أخبرنا أبو الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن زيد بن أكينة بن عبد الله التميمي من حفظه قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.
وهذا اللفظ بنحوه مروي عن سفيان الثوري رحمه الله تعالى].