الباب الذي معنا من أبواب العقيدة في هذا اللقاء هو باب الغيبيات، والمقصود بالغيبيات: الأمور التي هي من علم الغيب ولا يمكن للإنسان أن يستدل بعقله عليها، وقد يسميها بعض العلماء السمعيات، ويقصدون بذلك المسائل التي لا يمكن للإنسان أن يستنبطها بعقله بل مصدرها الوحيد هو السمع، والمقصود بالسمع الأدلة السمعية والأخبار التي في القرآن أو في السنة النبوية.
وقاعدة أهل السنة والجماعة في الغيبيات: أن كل ما أخبر الله سبحانه وتعالى به في القرآن، وكل ما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة النبوية الصحيحة من أمور الغيب فإنه يجب قبوله والإيمان به، وأخذه دون تأويل، فلا يؤول ولا يحرف، ولا يغير عن ظاهره اللغوي الذي يفهمه الإنسان في الفهم الأول، أو في القراءة الأولى.
وهذا الباب العظيم حصل فيه خلاف بين أهل السنة والجماعة وبين غيرهم.
أما المعتزلة فإنهم يرون أن الدليل على العقائد يجب أن يكون دليلاً عقلياً، وأن المسائل التي ليس عليها دليل عقلي مباشر يجب أن ترد إلى مقتضى الدليل العقلي، ولهذا أولوا أشياء كثيرة جداً فيما يتعلق بالإسراء والمعراج، وفيما يتعلق بعذاب القبر ونعيمه، وفيما يتعلق باليوم الآخر مثل الميزان والصراط ونحو ذلك.
فهذا التأويل مصدره الأساسي هو أن الدليل المعتبر عندهم هو الدليل العقلي، وإذا وردت نصوص ليس عليها دليل عقلي مباشر فإنهم يؤولونها حتى يردوها إلى الدليل العقلي، ولهذا سنجد في تفصيلات الكلام على مسائل الغيبيات أن هذه الغيبيات لم ينكرها المعتزلة إنكاراً بالمرة؛ لأن إنكار مثل هذه الأخبار الواردة في القرآن والسنة يعتبر كفراً مخرجاً عن دائرة الإسلام، لكنهم حرفوا.
فينبغي للإنسان أن يتفهم هذه المسائل بشكل جيد.
ومن أوسع من تحدث عن قضايا الغيبيات في الكتب الثلاثة التي ندرسها هو ابن قدامة المقدسي رحمه الله في لمعة الاعتقاد، ولهذا سنعلق على كلام ابن قدامة المقدسي رحمه الله، ثم نعود إلى حائية ابن أبي داود، وإلى الواسطية، وننظر إذا كان هناك زيادات أو ليس هناك زيادة.