للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيمان بالإسراء والمعراج]

قال المؤلف رحمه الله: [مثل حديث الإسراء والمعراج، وكان يقظة لا مناماً، فإن قريشاً أنكرته وأكبرته، ولم تنكر المنامات، ومن ذلك أن ملك الموت لما جاء إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه، فرد عليه عينه].

الإسراء والمعراج ثابتان عن النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة، أما الإسراء في القرآن فهناك سورة كاملة في القرآن تسمى سورة الإسراء، وقد تسمى سورة بني إسرائيل: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء:١] إلى آخر الآيات.

وأما المعراج فهو وارد في القرآن في بداية سورة النجم: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:١٨].

وأما النصوص النبوية فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أنكره كفار قريش، وقد أول الإسراء والمعراج بعض المنتسبين إلى الإسلام، فبعضهم قال: إن هذا الإسراء كان مناماً وليس يقظة؛ لاستحالة الانتقال في العادة من مكة إلى بيت المقدس ثم الذهاب إلى السبع السموات، ثم الإتيان في ليلة واحدة، وهذا قول فاسد وباطل، فإن القرشيين كانوا يعرفون أن النوم يمكن أن ينتقل فيه الذهن من مكان إلى مكان آخر، لكن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم وأخبرهم أنه حقيقي.

وبعض المؤولين قالوا: إن الإسراء والمعراج كان بالروح فقط دون الجسد، لأن الروح سريعة الانتقال وأما الجسد فهو بطيء، وهذا باطل؛ لأن الله عز وجل يقول: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:١]، و (عبده) كلمة عامة تطلق على مجموع الروح والجسد، فلا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به يقظة بروحه وجسده، وأن هذه معجزة من المعجزات، وآية من الآيات، ومن كذب بهذا فلا شك أنه مناقض لأصول القرآن والسنة.

طبعاً هناك تفصيلات دقيقة تتعلق بموضوع الإسراء والمعراج لا يعنينا التطويل فيها، لكن نناقش الجانب الذي ذكره المؤلف هنا في موضوع الإسراء والمعراج، وهو جانب الغيبيات، والإسراء والمعراج اعتبر من مسائل العقائد لوجود الآراء الضالة المخالفة لأصول عقيدة المسلمين في هذا الباب.

وأما قصة الملك مع موسى فهي قصة ثابتة في الصحيحين، وينكرها الذين يتبعون الأهواء ممن ينتسبون إلى العقل ويسمون أنفسهم عقلانيين، وهم في الحقيقة من أهل الجهل وليسوا من أهل العقل، (فإن ملك الموت جاء إلى موسى بهيئة شخص، ودخل عليه فلطمه موسى عليه السلام وفقأ عينه، فرجع إلى الله عز وجل، وقال: أرسلتني إلى عبد من عبادك لا يريد الموت، فرد الله عز وجل عليه عينه، وقال: اذهب إليه، وأخبره أن يضع يده على جسد ثور، فله بكل شعرة من هذه الشعرات سنة يعيشها، ثم قال موسى: وماذا بعد ذلك؟ قال: الموت، قال: فالآن).

فهذا الحديث ثابت في الصحيح، ويمكن للإنسان أن يؤمن به بكل بساطة، وبدون أي غضاضة، ولا أي مشكلة، لكن الذين يدخلون عقولهم في النصوص، وهي عقول قاصرة، جعلوا هذه النصوص مناقضة للعقل مع أنها ليست مناقضة للعقل في الأصل، فإن هذا أمر عادي جداً؛ لأن الملائكة تتشكل في أشكال متعددة.

وهكذا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سقط الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر دواء)، قالوا: لا، هذا حديث لا يصح، كيف يغمس الذباب في الإناء بعد أن مات، نقول النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء)، قالوا: لم نر هذا الداء والدواء، قلنا: إذا لم تروه فهذا لا يعني عدم وجوده، هذا خبر الصادق، وهنا يكون الإيمان الحقيقي بالنسبة للإنسان.

وهكذا في حديث: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، قالوا: إن هذا حديث لا يصح، مع أن الحديث في صحيح البخاري، وقالوا: إن هذا يدل على احتقار المرأة، ونحن نقول: الحديث لا يدل على احتقار المرأة، لكن خلق الله عز وجل لهم منازل، والله عز وجل فضل بعض الخلق على بعض، فجعل الرجال قوامين على النساء لما تتصف به النساء من الصفات الأنثوية من ضعف وعدم قدرة على إدارة الولايات العامة.

لكن النزعة الغربية الموجودة الآن وطلب مساواة المرأة بالرجل من كل وجه أثرت على كثير من الدارسين والباحثين الذين يكتبون في الدراسات الإسلامية، فأصبحوا يكتبون بنفس المنطق، وبنفس الطريقة التي يفكر بها الغربيون، وهذا من أكبر الأخطاء، بل يجب أن يكون لدينا من الاستقلال الفكري والنفسي عن الموجات الإعلامية الغربية الآن ما يجعلنا نفهم ديننا بصورته الصحيحة، دون أي ضغوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>