للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم الطعن في عقائد بعض العلماء والفاتحين]

السؤال

نرى بعض طلبة العلم يطعن في عقائد بعض العلماء مثل الحافظ ابن حجر وبعض رواد المسلمين والفاتحين مثل صلاح الدين الأيوبي، فما تعليقكم على هذا؟

الجواب

لا شك أن الحافظ ابن حجر رحمه الله كان من أهل السنة، ومن علماء السنة، لكنه أخطأ وزل في بعض المسائل العقدية في الصفات وفي غيرها، وكذلك صلاح الدين كان مجاهداً وصادقاً ونفع الله عز وجل به المسلمين لكنه كان على طريقة الأشاعرة في الجملة، لكن ينبغي أن ننبه لعدة أمور: الأمر الأول: أنه في بعض الأحيان قد يكون الإنسان عالماً في الحديث أو في الفقه ثم يكون عنده خلل في مسألة عقدية، فهذا الإنسان غير متخصص في هذا الباب، لكنه أخطأ أثناء شرح لحديث أو أثناء تفسيره للآية، فهذا الإنسان إذا أخطأ في شرحه لحديث أو في تفسيره لآية لا يعتبر خارجاً عن السنة، وإنما هو من أهل السنة إذا كانت أصوله هي أصول السنة، ويعتبر مخطئاً في هذه المسألة.

أما صلاح الدين فإنه لم يكن عالماً وإنما كان مجاهداً صادقاً، وأي مجاهد لا بد أن يكون عنده قدر من العلم، فعندما كان يقرأ كان العلماء في تلك الفترة هم علماء الأشعرية، فدرس على علماء الأشعرية فصار عنده أخطاء بسب ذلك.

الأمر الثاني: أن مقام النقد ومقام الاعتراض ومقام المواجهة يختلف من حال إلى حال، يعني: عندما يكون المقام مقام تدريس للعقيدة، وتربية الأمة على العقيدة ينبغي أن ندرس الأمة على العقيدة السلفية الصحيحة التي هي عقيدة أهل السنة والجماعة، التي نعتقد عن علم ويقين أنها هي الحق وما سواه ضلال وانحراف، هذا مقام، أما عندما يجاهد الكفار، وعندما نقاتل الأعداء، وعندما نواجه طواغيت العالم الكافرين حينئذٍ يجب أن نلتزم باسم الإسلام العام.

ولهذا فإن ابن قدامة رحمه الله الذي ندرس عقيدته كان في جيش صلاح الدين الأيوبي عندما دخلوا بيت المقدس، وكان في جيشه آلاف من علماء أهل السنة، وطلاب العلم، وعوام أهل السنة، ففي مقام الجهاد في سبيل الله يجب أن تشرك الأمة جميعاً في حماية بيضة الإسلام؛ لأن هؤلاء الأشاعرة حتى لو كانوا أشاعرة أليسوا مسلمين؟! بلى هم مسلمون.

وأذكر أنني سمعت فتوى للشيخ محمد ناصر الدين الألباني هذا العالم الذي كان كثيراً ما يتكلم عن البدع ويحذر منها، وكثيراً ما يتكلم عن بعض الأعيان من المبتدعة ويحذر منهم، فأحد الشباب كان مشحوناً جداً على سيد قطب فجاءه يستفتيه يقول له: هل نترحم على سيد قطب؟ فسأله الشيخ سؤالاً موضوعياً دقيقاً جداً قال: هل سيد قطب مسلم أو كافر؟ فسكت السائل وانبهر بالسؤال فقال: مسلم! قال: إذا كان مسلماً يجوز الترحم عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (حق المسلم على المسلم خمس) وذكر منها رد السلام عليه، والصلاة على جنازته ومن باب أولى الترحم عليه.

ولهذا ينبغي أن ندرك المقامات، مثلاً بعض الشباب يقرأ في الكتب القديمة أنهم كانوا يهجرون أهل البدع، وأنهم كانوا يذمونهم، ويتكلمون عليهم وما كانوا يصلون على جنائزهم، ثم يطبقها تطبيقاً خاطئاً في الحياة، وهذا خطأ كبير جداً، فالهجر الذي كان يمارس بعض الأحيان فيه نصوص مجردة كانت مرتبطة بالمصلحة، فمثلاً جاء عن الشافعي رحمه الله أنه جاءه حفص الفرد فطلب منه المناظرة فقال: لا أتكلم معك.

قال: بكلمة؟ قال: ولا بنصف كلمة.

وذلك لأن في هذا عدة مصالح، أولها عدم تنبيه العامة، وقد كان الشافعي رأساً في الناس، ولهذا لا يصلح أن نناقش كل من انحرف حتى لو كان مجهولاً أو سفيهاً أو أحمق أو لا يحسن العلم؛ لأن كثيراً من الناس يريد أن يصعد ويشتهر على حساب أهل العلم.

لكن الأصل في المسلمين عموماً أن نرد عليهم السلام إذا سلموا وأن نسلم عليهم، وأن نشهد جنائزهم، وأن نصلي عليها، وأن نستجيب لدعوتهم إذا دعوا، إلا إذا كان هناك مصلحة من المصالح، فينبغي علينا أن نوفق بين كون هذا الإنسان مسلماً وله حقوق، وبين كونه مبتدعاً يجب التحذير منه، فليس هناك تناقض بينهما، لكن لكل مقام مقال وحال.

فينبغي إدراك هذه القضية وفهمها فهماً جيداً؛ لأن البعض مثلاً إذا سمعك تقول هذا الكلام قال: أنت تدافع عن أهل البدع، فأقول: معاذ الله، كيف ندافع عن أهل البدع؟! لكن يمكن لشخص آخر أن يتطرف في جهة أخرى: إذاً أنت تكفر أهل البدع، فأنت ستقول: أنا لا أكفر الأشاعرة، يقول: إذاً أنا أرى أنهم مسلمون ولهم حقوق الإسلام المعروفة، فكونهم مبتدعة لا يعني أنهم ليسوا مسلمين، وأنهم ليس لهم حقوق الإسلام العامة، وهذا أيضاً لا يعني أن نذوب في هذه الفرق ولا نميز بين الحقائق الشرعية، ولهذا فمنهج أهل السنة في غاية الاستقامة، وفي غاية العدل، وهم أرحم الخلق بالخلق، لا يكفرون تكفيراً مطلقاً بدون بينة، ولا يبدعون تبديعاً مطلقاً بدون بينة، وإنما يلتزمون بالنصوص الشرعي

<<  <  ج: ص:  >  >>