للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من آداب الطالب في حياته العلمية: كبر الهمة في طلب العلم]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الفصل الخامس: آداب الطالب في حياته العلمية.

كبر الهمة في العلم: من سجايا الإسلام التحلي بكبر الهمة].

الهمة: هي صفة وغريزة تكون عند الإنسان، قد ينميها فتكون صفة مرتفعة وعالية وكبيرة في نفسه، وقد يضعفها فتكون حقيرة ودنيئة؛ ولهذا ليست أوصاف الناس سواءً، تجدون الشجاع والجبان، وتجدون البخيل والكريم، وتجدون صاحب الإحسان والشخص الذي يسيء إلى الخلق، وتجدون أوصافاً متعددة، ومن ذلك أنك قد تجد إنساناً كبير الهمة عالي الإرادة، وتجد في المقابل شخصاً دنيء الهمة ضعيفاً يتتبع سفاسف الأمور ومحقرات الأشياء.

وأنت في الحقيقة بإمكانك أن ترفع همتك، بحيث إنك تتجاوز الأمور الصغيرة والبسيطة، وأضرب لكم مثالاً: بعض الناس إذا كان لديه مشروع أو كان لديه عمل، أو كان لديه فكرة، أو كان لديه إرادة في طلب العلم، أو كان لديه دعوة، ينظر إلى نفسه بنظرة ضعيفة وهزيلة وحقيرة إلى درجة كبيرة جداً، ويقول: من أنا حتى أغيَّر هذا المجتمع؟ ويقول: من أنا حتى أستطيع أن أؤثر في طبقة من الطبقات العليا في المجتمع؟ ويقول: هل تتصورون أنني فعلاً سيكون لي دور كبير، بحيث إني أكون مؤسساً لأعمال دعوية كبيرة؟ أقول: ينبغي أن نربي أنفسنا على علو الهمة، فبإمكانك أن تصنع كل ما تجعله أمام عينيك إذا اعتمدت على الله عز وجل، واتخذت الأسباب، واجتهدت.

وهناك فرق بين علو الهمة والمثالية: فالمثالية معناها: أن الإنسان يتخيل أنه يمكن أن يطبق أشياء لا يمكن تطبيقها في الواقع، كأن يقول: أنا إن شاء الله خلال هذه السنة سأجمع الدول الإسلامية كلها وأجعلها قوية، ولها جيش واحد قوي، يواجه أمريكا ويواجه الدول الأوروبية كلها ويكتسحها، ويخرج الأمريكان من ديارهم في سنة واحدة! فهذه مثالية غير ممكنة في الواقع؛ لأننا نعرف طباع الناس، ونعرف أحوال المجتمعات؛ وهي فالمثالية هي الأفكار غير الواقعية، يعني: التي لا يمكن تطبيقها في الواقع بهذه الصورة، وقد يمكن تطبيق الفكرة لكن تحتاج إلى فترة طويلة من الزمن، فربما تحتاج أربعين سنة، خمسين سنة، مائة سنة، مائتين سنة؛ لأن بناء المجتمعات يحتاج عمراً طويلاً.

لكن هناك علو همة، افترض أن شخصاً يضع سير أعلام النبلاء أمامه، أو يضع فتح الباري أمامه ويقول: هل تتصور أني من الممكن أن أقرأ هذا؟ نقول: ممكن أن تقرأه، وأن تقرأه أكثر من مرة، فليس هناك مانع، لأن هذا أمر ممكن في الواقع، لكنه عالٍ؛ فكثير من الناس لا يربي نفسه على العلو.

<<  <  ج: ص:  >  >>