[وجوب الحذر من الجاهل المبتدع]
قال المؤلف رحمه الله: [احذر أبا الجهل المبتدع الذي مسه زيغ العقيدة، وغشيته سحب الخرافة، يحكم الهوى ويسميه العقل، ويعدل عن النص، وهل العقل إلا في النص! ويستمسك بالضعيف ويبعد عن الصحيح، ويقال لهم أيضاً: أهل الشبهات وأهل الأهواء، ولذا كان ابن المبارك رحمه الله يسمي المبتدعة الأصاغر.
وقال الذهبي رحمه الله تعالى: إذا رأيت المتكلم المبتدع يقول: دعنا من الكتاب والأحاديث، وهات العقل، فاعلم أنه أبو جهل، وإذا رأيت السالك التوحيدي يقول: دعنا من النقل ومن العقل، وهات الذوق والوجد، فاعلم أنه إبليس قد ظهر بصورة بشر أو قد حل فيه، فإذا جبنت منه فاهرب وإلا فاصرعه وابرك على صدره، واقرأ عليه آية الكرسي واخنقه، انتهى].
أهل السنة هم الذين يتبعون ما تدل عليه النصوص الشرعية من القرآن والسنة، أما مزاحمة النصوص بأي نوع من أنواع المزاحمات فهو من البدعة.
فمن زاحم النصوص بالعقل وبدأ يعطل النصوص ويغير معانيها ويحرف مدلولها بحجة العقل فهذا مبتدع.
ومن أراد أن يحرف النصوص الشرعية ويغير مدلولاتها بحجة التجربة والذوق والوجد الذي عند الصوفية فهذا مبتدع.
ومن أراد أن يحرف الأحكام الشرعية والأدلة الشرعية بحجة السياسة فهذا مبتدع.
ومن أراد أن يحرف النصوص الشرعية بحجة المصلحة فهذا مبتدع.
ومن أراد أن يحرف الأدلة الشرعية باسم مقتضيات الواقع والحاجة إلى فهم الواقع ونحو ذلك فهذا لا شك أنه ليس من أهل السنة.
بل أهل السنة هم الذين يأخذون ما في الكتاب والسنة كما أراده الله عز وجل وكما خاطب نبيه بلغة العرب، وكل هذه الأمور التي جاءوا بها هي في الحقيقة مطابقة للكتاب والسنة، لكن هم خرجوا هذه الأمور التي هي ممدوحة في ذاتها بحيث إنهم جعلوها معارضة للنصوص، فالعقل ممدوح ولا يمكن أن يعارض النص الشرعي لكن هم جاءوا بمعقولات وشبهات أملاها الشيطان عليهم.
كذلك الذوق لا يمكن أن يعارض القرآن والسنة، وفي الحديث: (ثلاث من كن فيه ذاق بهن حلاوة الإيمان)، ثم ذكر الثلاث وهي من أصول الدين، فالذوق لا يمكن أن يخالف النصوص.
والمصلحة هي في العمل بالنصوص والسياسة الصحيحة هي في العمل بالنصوص، والواقع الصحيح هو التعامل مع هذه النصوص تعاملاً مشروعاً، فكل من حرف النصوص وغير معناها ومدلولها بحجة من هذه الحجج التي صورتها ممتازة فنقول: أنت ظلمت الاثنين، ظلمت النصوص الشرعية عندما غيرت معناها، وظلمت العقل والمصلحة والذوق والواقع ونحو ذلك عندما غيرت المفهوم الحقيقي الموافق للنصوص الشرعية، وجئت بمعقولات باطلة وذوق فاسد ومصلحة ليس فيها مصلحة في حقيقة الأمر ومحاولة للتلاعب بالنصوص الشرعية حتى توافق الواقع حسب عقلك، وإلا فالنصوص الشرعية يمكن أن توافق الواقع بناء على ما تدل عليه.
مثلاً: لو جاءنا شخص وقال: لا يمكن في القرن العشرين أن نقطع اليد، لأنه لا يصلح أن يعيش الإنسان بدون يد؟ نقول: يصلح إذا سرق أن نقطع يده، الأحكام الشرعية نصوص قطعية لا تقبل التبديل، بحجة الواقع والحضارة، فالدين باق مع الإنسان في مجتمعه الزراعي أو الصناعي أو في أي نوع من أنواع المجتمعات، فلا يمكن أن نغير النصوص الشرعية بناء على أمور لديك أو انهزام أمام الحضارة الغربية والشعور بالدنيا، إذا كنت تشعر بالدنيا فارجع، فأهل الإسلام لا يشعرون بها.
قال: كيف نقطع اليد ومنظمة العفو الدولية تطالب بمنع قطع اليد؟ نقول: منظمة العفو الدولية أصلاً بنت فلسفتها فيما يتعلق بالإنسانية على الحضارة الغربية التي هي ليست مبنية على وحي من السماء، وإنما هي مبنية على استحسانات من البشر، والآراء البشرية إذا كانت مخالفة للقطعيات الإلهية نرميها ولا نقبلها.
ولهذا أهل السنة هم الذين يأخذون القرآن والسنة ويشعرون بعلو عظيم عندما يأخذونها ويفهمونها فهماً صحيحاً ويطبقونها في الواقع.
قد يقول بعض الناس: إن الواقع مختلف الآن، نقول: لا يشكل هذا الواقع، فالدول الغربية التي انتصرت على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية هم صنعوا هيئة الأمم وجعلوا لها مجلس أمن وجعلوا أنفسهم هم الذين يتحكمون في مصير الخلق، ونحن لا يشترط أن نعترف بهذا، نحن لنا فكر آخر لنا دين آخر لنا منهج آخر، لسنا ملزمين بهذا الأمر، نعم نحن في زمن استضعاف، وفي زمن الأمة فيه ضعيفة، لكنها صارت ضعيفة بسبب نفسها، {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:١٦٥] لكن لو أننا ارتفعنا عن الشهوات المحرمة وعن الشبهات الضالة والتزمنا بما التزم به الرسل الكرام وبما التزم به الصحابة بجد واجتهاد ويقين صادق فإنه لا يمكن أبداً أن يغلبنا هؤلاء الناس مهما ملكوا من الأسلحة.
ومن النماذج التي عطلت النصوص بسببها السياسة والعقل، ولهذا خرج لنا طائفة من المتكلمين والعصرانيين يتكلمون باسم العقل والمصلحة.
كذلك تقليد الأئمة يجعل الإمام والشيخ سبباً من الأسباب التي يعطل من أجلها