[الديمقراطية وأقسامها وحكم كل قسم]
الديمقراطية التي يتحدث عنها الناس تنقسم إلى قسمين: ديمقراطية يكون التشريع فيها بغير ما أنزل الله، ويخترع الناس أحكاماً فيما يتعلق بالدماء والأعراض، توافق أهواءهم، فهذا كفر وخروج عن دائرة الإسلام.
والقسم الثاني: آلية الديمقراطية وهي الانتخابات، مثلاً مجموعة من الناس ينتخبون لهم شخصاً يكون مسئولاً عنهم، فإذا كان انتخبه مجموعة من الناس ليكون مسئولاً عنهم، ويحكم بما أنزل الله فإن هذه الانتخابات وسيلة من الوسائل، تناقش من جهة أخرى غير جهة التشريع.
نقول: إن الأصل في أخذ الرأي أن يكون لأهل الحل والعقد، وأهل التمييز، وأن لا نسوي بين إنسان عادي صاحب ثقافة بسيطة مع عالم من العلماء، أو مع رجل مفكر أصحاب العقول الواعية، ولهذا فطريقة الانتخاب في الشرع تختلف عن الطريقة العصرية التي هي طريقة الديمقراطية.
فالانتخاب في الشرع يتم عن طريق أهل الحل والعقد، هناك مجموعة في كل أمة من الأمم -وفي الأمة الإسلامية بالذات- يسمون أهل الحل العقد، كعلماء مؤثرين، أو رؤساء الأجناد الذين يؤثرون في الناس، أو مشايخ القبائل من أهل الصلاح، هؤلاء يجتمعون فيرشحون الشخص الذي يحكمهم أو يدير شئونهم، هكذا يكون الانتخاب، هذا إذا كان انتخاباً مجرداً.
أما الديمقراطية الغربية فحقيقتها أن الناس يجتمعون ويرشحون أشخاصاً ينوبون عنهم، يسمونهم النواب، وهؤلاء النواب يشكلون لجنة للتشريعات، يعني: تشرع للناس قوانين، وهل المقصود بها تشريعات إدارية، يعني: عبارة عن أنظمة إدارية كتحديد الدوام من الساعة السابعة إلى الساعة الثانية عشرة مثلاً؟ لا، ليست كذلك، فإن هذه أنظمة عادية ليس فيها إشكال، ولا يتجاوزها إلى درجة أنهم يشرعون للناس فيما بيّن الله عز وجل فيه من الأحكام، مثل القتل يشرعون فيه تشريعاً، والزنا يشرعون فيه تشريعاً، والعقار يشرعون فيها تشريعاً، والملكية يشرعون فيه تشريعاً، والبيع والشراء يشرعون فيه تشريعاً، وهذه التشريعات ليست تشريعات ربانية يأخذونها من النصوص، وإنما هي تشريعات مأخوذة من أهوائهم وأمزجتهم؛ ولهذا عندما يجتمعون يطرحون مسألة من المسائل، وأي مسألة من المسائل يحق لأي نائب من النواب أن يعترض عليها ولو كان الأمر فيها شرعياً.
ففي بعض البلدان الإسلامية مع الأسف طُرِح نظام اسمه نظام العقوبات الشرعية، طرحه مجموعة من الإسلاميين الذين كانوا يشاركون في البرلمان، أو في مجلس الأمة -كما يسمونه- هذه التشريعات الإسلامية تقضي أن تقطع يد السارق إذا تحققت الشروط، وإذا زنا الزاني يجلد، وإذا قتل القاتل يقتل، بالضوابط الشرعية؛ فما هو موقف هؤلاء؟ قالوا: نحن نرفض هذا جملة وتفصيلاً، لأننا لو فعلنا ما تريدون لجعلنا نصف البلد مقطوعي الأيدي، والنصف الثاني مجلودي الظهور، وهذا فيه اعتراف بأن البلد كله ما بين زناة وسارقين، وهذه مصيبة من ناحية أدبية، وأعظم منها أنها مصيبة من ناحية شرعية، كيف ترد كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولهذا فإن هذه المصيبة التي ابتلي بها المسلمون في هذا الزمان هي في الحقيقة كفر مخرج عن الملة، وهذا الأمر الخطير بهذا الأسلوب جعل كثيراً من الناس يتردد؛ لأن كثيراً من الناس ظن أنك إذا قلت: إن الحكم بغير ما أنزل الله ناقل عن الملة أنه يلزمك أن تكفر كل الحكومات، وظن أنه إذا لزمك أن تكفر كل الحكومات فإنه يلزمك أن تقاتلها في هذا الوقت.
وهذا غير صحيح بهذا الأسلوب؛ ولهذا فإن كثيراً من الناس بدأ يتراجع عن تكفير الحكم بغير ما أنزل الله بهذه الطريقة، وأصبح بعض الناس يقسم الكفر إلى كفر عملي لا ينقل عن الملة، وإلى كفر اعتقادي ينقل عن الملة بناءً على هذا، وحصلت فتنة كبيرة جداً في مفهوم الإيمان بسبب الهروب من الواقع، وبسبب الخوف من الواقع الموجود في حياة الناس، وشدة الأزمة الموجودة، وجعل كثيراً من الناس يهرب ويغير بعض القناعات الشرعية التي دلت عليها النصوص بسبب الواقع الموجود.
والحقيقة أنه لا ينبغي للإنسان أن يكون بهذه الصورة، فالحقائق الشرعية ثابتة لنا في هذا الزمان وللأمة بعد ألف سنة، فالحقائق يجب أن تبقى هي الحقائق بغض النظر عن الواقع هل هو سيئ أو حسن؟ فهذه قضية أخرى، لكن الحقائق الشرعية التي دلت عليها النصوص يجب أن تكون كذلك.
ومن الحقائق الشرعية أن الإيمان قول وعمل، وأنه يزيد وينقص، وأن الكفر منه ما هو عملي، ومنه ما هو اعتقادي، وأنه ينقسم إلى قسمين: كفر أصغر وكفر أصغر، وأن الحكم بغير ما أنزل الله هو بحسب نوع الحكم، فمنه ما ينقل عن الملة ومنه ما لا ينقل عن الملة، فهذه الحقائق الشرعية يجب أن تكون ثابتة ومستمرة معنا.