[الفرق بين قول القلب وعمل القلب]
ننتقل إلى العقيدة الواسطية في باب الإيمان، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [ومن أصول أهل السنة والجماعة: أن الدين والإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح].
قوله: (أن الإيمان قول وعمل) سبق أن بينا أن هذا تعريف من تعريفات الإيمان، وهناك تعريفات أخرى.
وقوله: (قول القلب واللسان) هذا تفصيل للتعريف وشرح له، وسبق أن قلنا: إن قول القلب هو تصديق القلب بما جاء في القرآن، وتصديق القلب بالرسول صلى الله عليه وسلم، وتصديق القلب بوجود الله وربوبيته وألوهيته واستحقاقه للعبادة، وتصديق القلب بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم الماضية والمستقبلية أيضاً، هذا كله قول القلب.
وقوله: (واللسان) قول اللسان مثل شهادة أن لا إله إلا الله، والذكر، والدعوة إلى الله، والإصلاح ونحو ذلك.
وقوله: (وعمل القلب) ما هو الفرق بين تصديق القلب وعمله؟ التصديق هو مجرد أن يعتقد أن هذا الكلام صدق وأنه كلام الله، ويعتقد أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم صدق، لكن عمل القلب قدر زائد على الصدق، وهذا القدر الزائد هو محبة الله، الخوف منه، التوكل عليه، ولهذا نلاحظ أن المحبة والخوف والتوكل والخشية فيها حركة نحو الله عز وجل.
والحقيقة أن التفصيل بين قول القلب وعمل القلب لم يكن موجوداً بهذه الدقة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، فقد كانوا يعتقدون أن ما في القلب هو الإيمان، مثل: محبة الله والإخلاص له، ويشمل ذلك التصديق والإخلاص والإنابة والخشوع ونحو ذلك، لكن مع تقدم العلم عبروا عن هذه المعاني بتفصيلات علمية، فمثله مثل علم النحو، فالعرب قديماً كانوا يتكلمون باللغة العربية الفصحى بالسليقة بدون تكلف، ولا يعرفون الفاعل ولا المفعول به، ولا المفعول لأجله، ولا المصدر، ولا الحال، ولا الصرف، لكن كانوا يرفعون الفاعل وينصبون المفعول به والحال، فلما دخلت العجمة في الناس أصبح الناس يقعون في أخطاء لغوية، فقام أهل العلم بوضع علم النحو، ثم بدءوا بالتفصيلات العلمية الدقيقة، هذه التفصيلات العلمية كانت العرب تمارسها دون معرفة لهذه المصطلحات.
وأيضاً ما يتعلق بموضوع الإيمان، كان الصحابة رضوان الله عليهم يمارسون الإيمان ويعرفون أن في القلب إيماناً، وأن في الإيمان خشية وخوفاً وتوكلاً، لكن التفصيل بين قول القلب وعمل القلب بهذه الدقة جاء بعد ذلك، لأجل التعليم والتفصيل وإفهام الناس، ولأجل وجود الضلال عند المرجئة، حيث فرقوا بين قول القلب وعمله، فأخرجوا العمل من الإيمان، وجعلوا الإيمان هو تصديق القلب فقط.
قال: [وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج].
يعني: لا يكفرون بمطلق المعاصي، لكن يكفرون بنواقض الإيمان، أي: يمكن أن نقسم المعاصي إلى قسمين: الأول مطلق المعاصي مثل الكبائر، ومثل مخالفة أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه لا يكفر الإنسان بها.
القسم الثاني: نواقض الإيمان، ومبطلات الإيمان، مثل: الشرك، والكفر ونحو ذلك من الأمثلة التي سبق أن ذكرناها، فنواقض الإيمان ومبطلات الإيمان تزيل الإيمان، ويصبح الإنسان كافراً، وأما بقية المعاصي فإنها لا تزيل الإيمان.
قال: [بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي، كما قال سبحانه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:١٧٨]].
يعني: اعتبر القاتل أخاً للمقتول، ولو كان كافراً لانتفت عنه الأخوة الإيمانية.
قال: [وقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:٩]].
قوله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات:٩] يعني: مع أنهم اقتتلوا وصفهم بالإيمان، فوجود الاقتتال لم ينف أصل الإيمان عندهم.
قال: [وقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:٩ - ١٠].
ولا يسلبون الفاسق الملي الإسلام بالكلية، ولا يخلدونه في النار، كما تقول المعتزلة].
يعني: المعتزلة اتفقوا مع الخوارج في أن الفاسق أو صاحب الكبيرة مخلد يوم القيامة في النار لا يخرج منها، ولا يدخل الجنة، يعني: الخوارج اختلفوا مع أهل السنة في الفاسق الملي في قضايا متعددة من ضمنها: أنهم يكفرونه في الدنيا، ويقيمون عليه أحكام الكفر مثل: أنه لا يرث كذلك ما يتعلق بالأحوال الشخصية: فزوجته لا تبقى حلالاً له، وأيضاً: يرتبون عليه أنه في الآخرة يكون مخلداً، والمعتزلة اتفقوا معهم في أنه في