قال المؤلف رحمه الله تعالى:[وقد قيل لبعضهم: ألا ترحل حتى تسمع من عبد الرزاق؟ فقال: ما يصنع بالسماع من عبد الرزاق من يسمع من الخلاق].
وكان عبد الرزاق بن همام الصنعاني في اليمن، وكان عالماً مشهوراً، له كتاب كبير اسمه المصنف، رحل إليه الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في قصة مشهورة ذكرها الذهبي في السير، وأنهم لقيا عبد الرزاق في مكة وقد جاءا من العراق، فقال يحيى لـ أحمد: لماذا لا نقرأ عليه هنا، يعني: في مكة؟ قال: أنا نويت السفر إلى اليمن، فذهب إليه في صنعاء في اليمن وقرأ عليه هناك وأجازهما، فقيل لهذا الصوفي: لماذا لا ترحل إلى عبد الرزاق؟ قال: ما يصنع بالسماع من عبد الرزاق من يسمع من الخلاق؟ يعني: من يسمع من الله! ولهذا يقولون: أنتم أحاديثكم ميت عن ميت، وأما نحن فحديثنا عن الحي الذي لا يموت، يعنون: الله عز وجل، ولهذا يكثرون من قولهم: حدثني قلبي عن ربي، فهو يشعر بخطرات ويشعر بإلهامات تأتيه ويظن أنها من الله عز وجل، وهي من الشيطان في كثير من الأحيان، أو من الوهم الذي يحصل للإنسان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر:(أن للملك لمة وللشيطان لمة، فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، ولمة الشيطان تكذيب بالحق وإيعاد للشر)، فالاعتماد على الوهم وعلى ما يقع من الخطرات في القلب اعتماد باطل؛ لأن هذه الخطرات ليست يقينية، والمصادر التي تتخذ في التشريع لا بد أن تكون يقينية.
ولهذا فالذين يفسرون الأحداث المستقبلية بالرؤى والأحلام، ويقولون مثلاً: إن صدام حسين هو السفياني، علماً أن السفياني لم يصح فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون: إنه إلى الآن لم يمت، وإنه ما زالت هناك مقاومة، وبعد أن انكشف مشروعهم الفاسد، وأن كلامهم غير صحيح، قالوا: إنه سيخرج مرة أخرى وسينتصر على أمريكا، وسيأخذ الجزيرة العربية، وسيدخل على إسرائيل، ويتكلمون كلاماً ليس عليه مستند شرعي ولا دليل عقلي، وإنما هي خرافات يتكلمون بها، فإذا نصحهم أحد قالوا: ألا تؤمن بالرؤيا؟ نقول: نعم، نؤمن بالرؤيا، لكن أيضاً نؤمن بأن هناك أحلاماً من إلقاء الشيطان، أو من حديث للنفس.
ولهذا نلاحظ أنهم في القنوات الفضائية يأتون بأشخاص يفسرون الأحلام، تتصل عليه امرأة من سورية فيفسر لها، وتتصل عليه امرأة من المغرب ويفسر لها، وتتصل عليه امرأة من قطر ويفسر لها، وتتصل عليه امرأة من اليمن ويفسر لها، ولا يعتذر عن حلم واحد، ولا يقول: إن هذا أضغاث أحلام، مع أنه لا يعرف هؤلاء، وأحياناً يتكلم عن أشياء خاصة، أنا سمعت شخصاً اتصلت عليه امرأة وقالت له: إنني امرأة رأيت أنني أدفن زوجي وقد لحفته بشيء أبيض، فقال: أنت امرأة بارة بزوجك وحريصة عليه، وستحصل لك مشكلة معه، ولكن تجاوزيها برفق ولن يحصل مكروه لك إن شاء الله، فكيف عرف هذا الإنسان أن هذه المرأة بارة بزوجها؟ وإذا كانت هذه المرأة أصلاً لا زوج لها، أو كانت مطلقة ورأت زوجها الذي طلقها قديماً، وربما تكون هذه المرأة غير بارة! وهكذا يدعون علم الغيب بهذه الطريقة الفجة المقيتة السيئة، فهؤلاء كهنة العصر الحديث، يدعون علم الغيب ويشتغلون به، وبرامج ادعاء علم الغيب وتفسير الأحلام، والكلام في المستقبل، هي برامج موجودة في الدول الغربية وفي القنوات الفضائية الغربية، فجاء هؤلاء وأخذوا باب الرؤيا، ووجدوا لها أصلاً في الشريعة، فوسعوه حتى أدخلوا فيه ما ليس منه.
إذاً: باب الرؤى شيء، وادعاء علم الغيب بهذه الطريقة الفجة السيئة شيء آخر، والكلام حول المستقبل الذي لا يعلمه إلا الله شيء ثالث.
وأحياناً تجدون شخصاً عنده هم معين، وتجد عنده تفكيراً في الأوضاع السياسية، والأوضاع التي تدور في الأمة الإسلامية، وأي حلم يأتيه يفسره مباشرة على هذا التفسير، شخص قال: أنا رأيت حصانين: حصاناً أبيض وحصاناً أسود، وأن الحصان الأبيض في البداية هرب ثم عاد مرة أخرى، فهرب الحصان الأسود، قال: نعم، الحصان الأسود أمريكا سود الله وجوههم، والحصان الأبيض كذا، وأنه في البداية تنتصر أمريكا، ثم ينتصر المسلمون، والحديث عن نفس هذا الموضوع، فتجد أن تفسيراته كلها سياسية، يعني: لا يمكن أن يفسر يوماً من الأيام تفسيراً اقتصادياً، أو تفسيراً اجتماعياً، بل يجمع كل ما يعرض عليه من الرؤى فيقول: عندي خمسة وعشرون ألف رؤيا من الثقات الصالحات اللاتي يقمن الليل، لو أن خمسة وعشرين ألف امرأة يقمن الليل ما صار المسلمون على هذا الوضع.
وهكذا يتكلمون ويهذون بما لا يعرفون، ويتكلمون في الدين من غير وجهه، وكثير منهم يكتب في الإنترنت، ولهذا ينبغي على الإنسان أن لا يأخذ مثل هذه الأفكار، ويجعل ذهنه زبالة لمثل هذه الأفكار.
هؤلاء أشخاص عاطلون عن العمل، أنا أتصور أنهم لا عمل دنيوي لديهم، ولا دعوة إلى ا