قال رحمه الله: [وقال تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ}[غافر:١٧] فدل على أن للعبد فعلاً وكسباً يجزى على حسنه بالثواب، وعلى سيئه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره].
السؤال المشهور في باب القدر: هل الإنسان مسير أم مخير؟ إذا قلت: مسير، فهموا أنه مجبور، وإذا قلت: مخير، فهموا أن الله لم يقدر مقادير العباد ولم يكتبها عنده.
ولهذا الصواب التفصيل: نقول: العبد مخير في أشياء ومسير في أشياء، مسير فيما لا قدرة له فيه مثل ما يتعلق بطوله وقصره وكونه ذكراً وليس أنثى، أو أنثى وليس ذكراً، ولونه والبلد الذي ولد فيه، وكونه ابن فلان وفلانة، وليس ابن فلان وفلانة، وهكذا، وهذا لا يترتب عليه الثواب والعقاب من الله عز وجل، فلا يعذب العباد لأن هذا طويل وهذا قصير، أو هذا لونه كذا أو هذا لونه كذا، أو هذا ابن فلان فسيعذبه لأنه ابن فلان، ولهذا ضعفت عائشة رضي الله عنها حديث:(ابن الزنا شر الثلاثة) وقالت: إن الله عز وجل يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام:١٦٤] فكيف يكون ابن الزنا مذموماً مع أنه لا علاقة له بهذا الأمر، فهو ليس مختاراً في أن يكون ابن زنا أو ليس ابن زنا.
ولهذا يكون النقد في علم الحديث للإسناد ويكون أيضاً للمتن، ويمكن أن يراجع رسالة نقد متون السنة للدكتور غرم الله الدميني فقد تحدث عن القواعد المتعلقة بنقد متون السنة بشكل مرتب، والمسألة مبحوثة قديماً عند العلماء.
هذا ما يتعلق بكون الإنسان غير مخير في أشياء، لكنه فيما يترتب عليه الثواب والعقاب وما يمدح ويذم فيه مخير، لكن لا يعني أيضاًً كونه مخيراً أنه مستقل بالتخيير، بل الله عز وجل كتب عليه كل شيء، والله عز وجل علم ما سيفعله قبل أن يفعله؛ لأن علم الله عز وجل واسع وشامل لكل شيء.