[اختيار الصديق الصالح والحذر من قرين السوء]
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله في كتابه حلية طالب العلم: [الفصل الرابع: أدب الزمالة.
الأدب الثالث والعشرون: احذر قرين السوء.
كما أن العرق دساس، فإن أدب السوء دساس، إذ الطبيعة نقالة، والطباع سراقة، والناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض، فاحذر معاشرة من كان كذلك، فإنه العطب، والدفع أسهل من الرفع].
يعني: دفع أي صفة، أو أي طبع من الطباع الرديئة قبل أن تحصل في الإنسان في البداية، أسهل وأخف من رفعها بعد أن تصبح جزءاً أساسياً في حياته، فمثلاً: أدب من الآداب السيئة، سواء في صديق تلازمه، أو في بيئة تعيش فيها، أو نحو ذلك، فدفعها عنك قبل أن تحصل في نفسك أسهل من رفعها بعد أن تتمكن في نفسك؛ لأن الدفع أسهل بكثير من الرفع.
قال رحمه الله: [وعليه، فتخير للزمالة والصداقة من يعينك على مطلبك، ويقربك إلى ربك، ويوافقك على شريف غرضك ومقصدك، وخذ تقسيم الصديق في أدق المعايير].
لا شك أن للصداقة دوراً كبيراً في الصفات، والأخلاق، والآداب، ونحو ذلك؛ ولهذا ينبغي للإنسان أن يكون دقيقاً في اختيار الأصدقاء والأصفياء والأوفياء، وهذا الاختيار يعود إلى حسن فراسة الإنسان في الأشخاص، وإلى حسن اختياره للأصدقاء؛ ولهذا ينبغي للإنسان أن يختار من الأصدقاء من تتحقق فيه الصفات المفيدة التي ينتفع الإنسان بها، وليحذر من الأشخاص الذين لديهم صفات سيئة ورديئة.
مثال ذلك: قد يبتلى الإنسان في بعض الأحيان بصديق يُكثر النقد والذم والسب لأهل العلم، فتجد أنه بدل أن يذكر الله عز وجل، وبدل أن يشتغل بالعبادة، وبدل أن يشتغل بما ينفعه، يشتم ويسب وينقد من هو أكبر منه علماً وفضلاً، ولهذا إذا صاحبت مثل هذا الشخص فإنك بعد زمن ستشعر أنك مثله؛ لأن الصديق يدفع صديقه من حيث لا يشعر إلى محاكاته، وإلى التشبه به.
واختيار الصديق موضوع كبير، ويندر أن تجد الصديق الصادق، إذ لا تكون معايير الإنسان في اختياره للأصدقاء مثالية، فإن المجتمع كما تلاحظون مليء بالأخطاء، ومليء بالزلات؛ ولهذا ينبغي للإنسان أن يختار من يجد فيه أفضل المقاييس بالنسبة للواقع الذي يعيش فيه، وإلا فإن الصديق الوفي -كما يقولون- أندر من الكبريت الأحمر، الكبريت الأحمر معدن نفيس نادر لا يكاد يوجد، فالصديق الوفي الذي تتوفر فيه الأوصاف التامة الكاملة نادر جداً.
بل أنت إذا نظرت إلى نفسك ستجد أن عندك تقصيراً وعندك خطأ؛ ولهذا المطلوب من الأصدقاء أن يعين بعضهم بعضاً على الخير، لكن هناك حد أدنى من الآداب ينبغي أن تكون في أي صديق: أولاً: أن يكون إنساناً صالحاً يدفعك إلى الذكر.
الأمر الثاني: أن يكون مشتغلاً مثلاً بطلب العلم، ومشتغلاً بما ينفعه.
الأمر الثالث: أن يكون بعيداً عن الطعن في الناس، وخصوصاً أهل العلم، فلا يطعن في أهل العلم ولا يذكر المثالب والعيوب، ونحو ذلك، وينبغي أن يكون الصديق أيضاً حسن الأخلاق في التعامل معهم، وهكذا يعين الأصدقاء بعضهم بعضاً على الخير.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وخذ تقسيم الصديق في أدق المعايير: ١ - صديق منفعة.
٢ - صديق لذة.
٣ - صديق فضيلة.
فالأولان منقطعان بانقطاع موجبهما، المنفعة في الأول واللذة في الثاني.
وأما الثالث فالتعويل عليه، وهو الذي باعث صداقته تبادل الاعتقاد في رسوخ الفضائل لِدى كل منهما.
وصديق الفضيلة، هذا عملةٌ صعبة يعز الحصول عليها.
ومن نفيس كلام هشام بن عبد الملك المتوفى سنة (١٢٥هـ) قوله: ما بقيَ من لذات الدنيا شيءٌ إلا أخ أرفع مئونة التحفظ بيني وبينه انتهى.
ومن لطيف ما يقيد قول بعضهم: العزلة من غير عين العلم زلة، ومن غير زاي الزهد علة].
المقصود هو ما أشرت إليه سابقاً من أهمية اختيار الصديق صاحب الخلق الحسن والصفات الطيبة، بحيث إنه يمكن للإنسان أن يعين صديقه على الارتفاع عن سفاسف الأمور، وعلى الارتفاع عن الأخلاق الرديئة، وعلى الارتفاع عن زلات اللسان والطعن والذم في أهل العلم، وعلى التأدب قدر المستطاع بأدب النبوة، وهكذا.
وما أشار إليه نقله من كتاب العزلة للخطابي، والعزلة معناها: الانعزال عن الناس من غير علمٍ، يعني: إذا انعزلت عن الناس بدون علم، فالعزلة من غير عين العلم زلة، يعني: أنت تأخذ العزلة، فإذا حذفت العين منها تجد أنها زلة، ووجد أن العلم هو الوصف الذي يضبط هذه العزلة إذا حصلت بالنسبة للإنسان، ومن غير زاي الزهد علة، فلا بد إذاً للعزلة من أمرين وهما: العلم، والزهد.