قال ابن تيمية رحمه الله: [وقوله صلى الله عليه وسلم: (يقول تعالى: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك!)].
وهذا يدل على أن فيه قولاً مسموعاً يسمعه آدم ولهذا يجيب فيقول:(لبيك وسعديك!) وهذا القول يكون يوم القيامة، وهو يدل على أن الله عز وجل يتكلم متى شاء كيف شاء.
قال المؤلف رحمه الله:(فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار) متفق عليه].
قال:(فينادي بصوت)، ومجرد كلمة النداء تدل على الصوت، وجيء بكلمة الصوت هنا توكيداً لهذا المعنى، وقوله:(بصوت) دليل صريح في هذه المسألة، وهو ثابت في الصحيحين.
ويقول أهل الكلام وأهل البدع: إن هذا الحديث من أحاديث الآحاد الظنية التي لا تقبل في العقيدة، فردوا ثلاثة أرباع السنة أو أكثر من ثلاثة أرباعها، ولم يقبلوها في العقيدة؛ لأنها ظن لم تبلغ حد التواتر.
ونقول لهم: النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى ملوك الروم والفرس والمقوقس ووالي اليمن أفراداً يدعونهم إلى أعظم قضية وهي التوحيد وإلى تغيير أديانهم، ويقولون لهم: أديانكم باطلة، والدين الجديد هو الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه رسالة منه! ولم يقل لهم حاكم ذاك البلد: يجب حتى أومن بهذه العقيدة أن يرسل إليَّ محمد حد التواتر حتى يكون يقينياً، وأن تكون الألفاظ التي كتبها لا تحتمل المجاز ولا التخصيص ولا المعارض العقلي، فهذه لم يقلها الملوك ولم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أن عقيدة أهل الكلام في باب أخبار الآحاد من أفسد العقائد؛ لأنها ألغت جزءاً كبيراً من سنة النبي صلى الله عليه وسلم في العقيدة، فلم يعمل بها عندهم؛ بسبب هذا التعليل الفاسد الذي جاءوا به.
قال المؤلف رحمه الله: [وقوله: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه وليس بينه وبينه ترجمان)].
وهذا صريح في أن الكلام يكون بحروف وأصوات، ولهذا قال:(ليس بينه وبينه ترجمان) والترجمان إنما يكون بين اثنين يسمع من أحدهما ثم يترجمه للآخر، ثم يسمع الآخر ويترجمه لهذا، فلا بد فيه من الكلام، وأن يكون بصوت وحرف، ولهذا كان هذا الحديث من أصرح الأحاديث في أن الله يتكلم بصوت وبحروف سبحانه وتعالى.
وأما محاولة تخيل صوت الله وأنه كأصوات الخلق فهي محاولة فاسدة في كل الصفات، وليست في صفة الكلام فقط، حتى في صفة الوجود، فكون الله موجود لا يحق لنا أن نتخيل أن وجوداً الله كوجود خلقه، فكيف ببقية الصفات؟ تعالى الله عن الأوهام علواً كبيراً.