[تفاضل الصحابة رضوان الله عليهم فيما بينهم]
وهذا يدل على أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم من أهل الفضل والخير، لكن بعضهم أفضل من بعض، وأهل الفضل قد يتفاضلون في المعنى فضلوا من أجله، فالصحابة الذين أسلموا قبل الفتح أفضل من الذين أسلموا بعد الفتح، كما هو وارد أيضاً في سورة الفتح؛ والمقصود بالفتح صلح الحديبية، فكل من أسلم قبل صلح الحديبية فهو أفضل ممن أسلم بعد صلح الحديبية، ثم الذين أسلموا قبل الفتح يتفاضلون فيما بينهم؛ فأفضلهم على الإطلاق هم المهاجرون، والمهاجرون أفضل من الأنصار؛ لأنهم أقدم إسلاماً، وناصروا النبي صلى الله عليه وسلم، وهاجروا معه صلى الله عليه وسلم، فهذه ثلاثة أشياء جعلتهم أفضل من الأنصار؛ بينما الأنصار لم تحصل منهم الهجرة، فالهجرة عمل إضافي فاضل بالنسبة لهؤلاء المهاجرين ففضلوا به.
وقد ورد تقديمهم في سورة الحشر: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:٨] فقُدِّموا على الأنصار، ثم جاءت الآية الثانية في الأنصار: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:٩] إذاً: الأولى في المهاجرين، الثانية في الأنصار، ثم في الثالثة: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:١٠].
ولهذا سيأتي معنا عند التعليق على هذه الآية أن من صفة أهل الإيمان أنهم يثنون على المؤمنين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، ويحبونهم ويقدرونهم، ولا يسبونهم ولا يتكلمون فيهم بأي نوع من أنوع الكلام.
ثم أفضل المهاجرين العشرة الذين جُمِعُوا في حديث واحد وبشروا بالجنة، وأفضل هؤلاء العشرة هم الخلفاء: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي بهذا الترتيب.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: [وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام].
الدليل على أن الصحابة خير من أتباع الأنبياء جميعاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير القرون)، وهذا يشمل القرون من عهد آدم عليه السلام إلى اليوم، (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، فهذا يدل على أنهم خير القرون، ولهذا فضِّل أبو بكر على مؤمن آل فرعون مع فضله ومكانته.
قال: [وأفضل أمته أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضى رضي الله عنهم أجمعين، لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره)].
هذا الحديث أصله في صحيح البخاري.
فأفضل الخلق هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، وليس في رواية البخاري (وهو حي) ولا ذكر علي رضي الله عنه.
ثم رواه غير البخاري، وممن رواه الترمذي وفيه زيادة: (وهو حي) وهذه الزيادة صحيحة.
وأما ذكر علي في هذا الحديث فإنه غير موجود في روايات الحديث، ويبدو أنه خطأ من النُّساخ، وإنما كانوا يقولون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل الناس أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان.
بل ورد في بعض الأحيان: ثم نسكت، لكن أجمع أهل السنة على أن أفضل الناس بعد عثمان هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وستأتي الإشارة لهذا الكلام في العقيدة الواسطية إن شاء الله.
قال: [وصحت الرواية عن علي رضي الله عنه أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر ولو شئت لسميت الثالث].
هذا الحديث حديث صحيح، وقد روي عنه أنه قال هذا القول وهو على أعواد المسجد الذي كان بالكوفة، وفي هذا رد صريح على الشيعة الذين يفضلون علي بن أبي طالب رضي الله عنه على أبي بكر وعمر؛ فكيف بالذين يطعنون في خلافة أبي بكر وعمر؛ وكيف بالذين يسبون