[حقيقة الإيمان]
أجمع السلف الصالح رضوان الله عليهم على ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة من أن الإيمان قول وعمل، ومعنى (قول): قول القلب وقول اللسان، ومعنى (عمل) عمل القلب وعمل الجوارح.
نأخذ أولاً القول: فالقول ينقسم إلى ركنين: أولاً: قول القلب، ومعنى قول القلب: تصديق القلب بما أخبر الله سبحانه وتعالى به، وبما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة، من أمور العقائد والأحكام.
وقول اللسان: هو نطق الشهادتين، وذكر الله، ودعاء الله عز وجل، والدعوة إلى الله، ونحو ذلك من مسائل الإيمان.
الركن الثاني في الإيمان: العمل، والعمل ينقسم إلى قسمين: عمل القلب وعمل الجوارح، فأما عمل القلب فهو الخوف، والمحبة، والرضا، والتوكل، والإنابة، ونحو ذلك.
وأما عمل الجوارح: فمثل الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، والجهاد في سبيل الله، ونحو ذلك، فهذا ما يتعلق بحقيقة الإيمان، وهذا الإيمان مطابق للدين كله، فنحن إذا أردنا أن نقسم الإيمان بناءً على جوارح الإنسان نجد أن الإيمان ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم منه متعلق بلسان الإنسان، وهذه هي التي يكون فيها العبادات المشهورة مثل: نطق الشهادتين، وذكر الله عز وجل، والدعاء، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والقسم الثاني: عمل الجوارح، وهي التي تتعلق بأعضاء الإنسان، مثل الصلاة التي يفعلها بجوارحه، والصيام، والزكاة، والجهاد في سبيل الله، وإعانة المحتاج، وبر الوالدين، ونحو ذلك مما يحتاج الإنسان فيه إلى جوارحه وأعضائه حتى يحقق هذه العبادة.
القسم الثالث من جوارح الإنسان المتعلقة بالإيمان: القلب، والقلب فيه من الإيمان أمران: الأمر الأول: قول القلب، وهو تصديقه، والأمر الثاني: عمل القلب وهو قدر زائد على التصديق، يدخل فيه التوكل والمحبة والخشية ونحو ذلك، فمحبة الله قدر زائد على مجرد تصديق الخبر، وهذا التفصيل العلمي بهذه الطريقة هو عمل القلب، وهناك قاعدة فيما يتعلق بالمصطلحات والتقسيمات العلمية، فالمصطلحات والتقسيمات العلمية هي بحسب مدلولها، وبحسب معناها ومفهومها، فإن كان معناها ومفهومها معنى شرعياً ومفهوماً شرعياً، فإنه حينئذٍ يكون هذا التقسيم وهذا المصطلح صحيحاً بإضافة شرطين إليها: الشرط الأول: أن يكون مدلول المصطلح اللغوي منطبقاً على ما استخدم فيه.
والأمر الثاني: أن يكون جامعاً ومانعاً، أو مطرداً ومنعكساً على تعبير الأصوليين.
بهذه الطريقة يكون المصطلح صحيحاً؛ ولهذا عندما ننكر مصطلحات علم الكلام أو مصطلحات الصوفية، أو بعض مصطلحات الفلاسفة وغيرهم، هذه المصطلحات نحن ننكرها لا لأنها مصطلحات جديدة أو أسماء جديدة، وإنما ننكرها لأنها تتضمن مفاهيم ومعاني نص الشرع على بطلانها.
فينبغي إدراك هذه القضية؛ لأن كثيراً من الناس مع الأسف يظلم أهل السنة السلفيين، ويقول: إن هؤلاء نصيُّون، لا يستخدمون العقل، ولا يستخدمون المصطلحات الجديدة ولا يتفهمون، وإذا أخرجت الواحد منهم عن القضايا النصية لا يستطيع أن يعطي جواباً.
وهذا من الظلم، فإن أهل السنة من أعلم الناس، ومن أصدقهم ديناً، ومن أفهمهم وأقواهم استدلالاً عقلياً وعلمياً؛ ولهذا فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين)، من معانيها أن الظهور يكون بالحجة والبيان، فهم أشد الناس حجة، وأدق الناس حجة ومحجة، لكن الناس يظلمون أهل السنة ظلماً كبيراً.
وقد يوجد في أهل السنة من هو مقصر؛ لكن منهج السلف ومنهج السنة الموجود في الكتاب، والموجود في السنة، والذي عليه عامة أهل السنة منهج منضبط يستدل بالعقل، ويستدل بالنص.
وللعقل مكانة عظيمة فيه؛ لأن العقل ممدوح، وأهل السنة لا يعيبون المصطلحات؛ لأنها جديدة، ولا يخافون من الإبداع، لكن الإبداع إذا كان مخالفاً لأصول النص فهو مرفوض وغير مقبول؛ لأن مخالفة النصوص الشرعية هي مخالفة لله، ومخالفة للرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن علمنا صدق الرسول وصدق ما جاء به، بناءً على مقتضيات العقل، وبناءً على اللوازم التي علمها الإنسان من صحة نبوته، ودلائل هذه النبوة، وبناءً على هذا فكل ما أخبر به فهو عين الصواب وعين العقل وعين الحكمة، وهو صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يخبر إلا بالحق والصواب وما فيه صلاح الإنسانية؛ لأنه يأتي بهذا الخبر من عند الله عز وجل الذي خلق الناس، إذاً هذا تعليق على قضية المصطلحات.