للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التوافق الوارد في أسماء الله وأسماء صفاته مع أسماء المخلوقين وأسماء صفاتهم لا يقتضي التماثل]

من المعاني التي تدخل في هذه القاعدة ما سبق أن أشرنا إليه، وهو أن التوافق الوارد في أسماء الله وفي أسماء صفاته مع أسماء المخلوقات لا يقتضي التماثل، وإنما هو اتفاق في أسماء بينها قدر مشترك، هذا القدر المشترك إذا ذكرته على الإضافة لا يكون له حقيقة خارجية، وإنما حقيقته في الذهن فقط، فإن الذهن يربط بين المعاني برابط كلي عام لا يمكن أن يكوم موجوداً في الخارج إلا إذا أضفته، فاليد أو القدم أو العلم أو الوجود أو أي اسم من هذه الأسماء له معنى في الذهن، لكن إذا أضفته فقلت: يد الله، وعلم الله، ووجود الله اختلفت تماماً عن يد المخلوق، وعلم المخلوق، ووجود المخلوق؛ مع كونها تتفق في الاسم العام، وهذا الاتفاق لا يقتضي التماثل بأي وجه من الوجوه.

كذلك نحن ننفي عن الله التشبيه، ولـ شيخ الإسلام رحمه الله تحقيق دقيق جداً في هذه المسألة حيث قال رحمه الله: إن كلمة التشبيه كلمة مجملة، فإن أرادوا بالتشبيه التماثل فلا شك أنه ليس هناك تماثل بين أسماء الله وصفاته وبين أسماء المخلوقين؛ لأنه ليس هناك تماثل بين الخالق والمخلوق.

أما إذا أرادوا بالتشبيه مجرد التشابه في الأسماء، فنحن لا ننفي هذا بل نثبته ونرى أن إثباته أساسي لفهم معاني أسماء الله وصفاته.

ولهذا سبق أن ناقشنا مسألة الاشتراك في الألفاظ وقلنا: إنها قطعاً ليست من الأسماء المشتركة، مثل لفظ (العين) الذي يطلق على الجاسوس، ويطلق على العين الباصرة، ويطلق على العين الجارية، وهي كذلك ليست من التواطؤ الذي يجتمع في الحقيقة مثل لفظة (إنسان) الذي يوجد أفراده في الخارج، لكن حقيقته واحدة، وإنما قلنا: إنه يطلق بالتشكيك كما يسميه بعض أهل الأصول أو بالتواطؤ العام الذي يفهم منه المعنى الكلي العام، لكن لا وجود له في الخارج إلا مختصاً.

وسبق أن قلنا: إن هذا يعتبر مأزقاً وإن هذه المسألة تعتبر من نقاط الارتكاز التي اختلف فيها أهل السنة مع المعطلة من جهة أخرى، فالمعطلة ظنوا أنه إذا قلنا: إن لله يداً، ولله وجهاً، ولله علماً، وإن لله سبحانه وتعالى صفات متعددة، وهذه الأسماء موجودة في المخلوقات؛ أن هذا يقتضي التماثل من كل وجه، ونحن نقول: لا يقتضيه، فقالوا: أنتم تكابرون! فقلنا لهم: إذا كان يقتضيه فلا بد أنكم -أيها المعطلة- تثبتون قدراً من أسماء الله أو من صفاته أو على الأقل وجوده، فالمعتزلة مثلاً ينفون صفات الله عز وجل جميعاً ويثبتون الأسماء، فنقول لهم: كيف تثبتون الأسماء وبعض المخلوقين لهم أسماء كأسماء الله عز وجل، فالله هو العزيز سبحانه وتعالى، والله عز وجل يقول: {وقَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} [يوسف:٥١]، فهذا عزيز وذاك عزيز، فلماذا تعتبرون أسماء الله مختصة به، وأسماء المخلوقين مختصة بهم، والصفات لا تطبقون عليها القاعدة؟ هذا تناقض! وإذا كان المناقش والمجادل من الأشعريين الذين يثبتون لله عز وجل سبع صفات عقلية: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، وينفون عن الله سبحانه وتعالى بقية الصفات الفعلية والصفات الخبرية الأخرى، نقول لهم: ما نفيتموه مثل ما أثبتموه، فإن قلتم: إن علم الله عز وجل لا يشبه علم المخلوق، قلنا: وكذلك غضبه، وكذلك ضحكه، وكذلك نزوله، وكذلك بقية الصفات التي نفيتموها.

فإن قلتم: إن هذا يليق بجلال الله، قلنا: وذاك أيضاً يليق بجلال الله.

فإن قالوا: إن الغضب لا يفهم إلا من المخلوق، قلنا: وكذلك المخلوق عنده علم، والمخلوق عنده حياة، والمخلوق موجود! وهذا تناقض كبير؛ فهم في الحقيقة لم يحققوا هذه المسألة، ولم يبحثوها بشكل جيد، فاضطربوا فيها اضطراباً كبيراً، فلا يستطيعون القول بأن هذه الكلمات مطلقة من باب الاشتراك اللفظي، فجمهورهم يقولون: إنها من باب المتواطئ العام الذي سبقت الإشارة إليه.

أما الرازي والآمدي فتجد أن هناك اضطراباً في كلامهم حول هذه المسألة، ومع ذلك لما قالوا بها شن عليهم عدد كبير من أهل السنة، وحتى من المتكلمين أنفسهم؛ بسبب أن هذا يقتضي أن لا نفهم شيئاً من صفات الله، وأن لا نفهم معاني أسمائه، وأنه يحتمل أن يكون لها معنى مختلف اختلافاً كلياً مائة بالمائة.

وهذا لا يقول به عاقل، فإن الله عز وجل خاطبنا بلغة واضحة وبينة، يمكن للإنسان أن يفهمها ويدركها ولهذا كان كتاباً مبيناً، وكان شفاءً وقد سبق أن وضحنا هذه القضايا بشكل تفصيلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>