للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من آداب طالب العلم خفض الجناح ونبذ الخيلاء]

قال الشيخ: بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله في كتابه (حلية طالب العلم) في حديثه عنه آداب الطالب في نفسه: [الأمر الخامس: خفض الجناح، ونبذ الخيلاء والكبرياء: تحل بآداب النفس من العفاف والحلم والصبر والتواضع للحق، وسكون الطائر من الوقار والرزانة وخفض الجناح، متحملاً ذل التعلم لعز العلم، ذليلاً للحق، وعليه: فاحذر نواقض هذه الآداب، فإنها مع الإثم تقيم على نفسك شاهداً على أن في العقل علة، وعلى حرمان من العلم والعمل به، فإياك والخيلاء؛ فإنه نفاق وكبرياء، وقد بلغ من شدة التوقي منه عند السلف مبلغاً، ومن دقيقه ما أسنده الذهبي في ترجمة عمرو بن الأسود العنسي المتوفى في خلافة عبد الملك بن مروان رحمه الله تعالى: أنه كان إذا خرج من المسجد قبض بيمينه على شماله، فسئل عن ذلك؟ فقال: مخافة أن تنافق يدي.

قلت: يمسكها خوفاً من أن يخطر بيده في مشيته فإن ذلك من الخيلاء.

ا.

هـ وهذا العارض عرض للعنسي رحمه الله تعالى.

واحذر داء الجبابرة: الكبر، فإن الكبر والحرص والحسد أول ذنب عصي الله به، فتطاولك على معلمك كبرياء، واستنكافك عمن يفيدك ممن هو دونك كبرياء، وتقصيرك عن العمل بالعلم حمأة كبر، وعنوان حرمان.

العلم حرب للفتى المتعالي كالسيل حرب للمكان العالي فالزم رحمك الله اللصوق إلى الأرض، والإزراء على نفسك، وهضمها ومراغمتها عند الاستشراف لكبرياء، أو غطرسة، أو حب ظهور، أو عجب ونحو ذلك من آفات العلم القاتلة له، المذهبة لهيبته، المطفئة لنوره، وكلما ازددت علماً أو رفعة في ولاية فالزم ذلك تحرز سعادة عظمى، ومقاماً يغبطك عليه الناس.

وعن عبد الله ابن الإمام الحجة الراوية في الكتب الستة بكر بن عبد الله المزني رحمهم الله تعالى قال: سمعت إنساناً يحدث عن أبي أنه كان واقفاً بعرفة فرق، فقال: لولا أني فيهم لقلت: قد غفر لهم، خرجه الذهبي ثم قال: قلت: كذلك ينبغي للعبد أن يزري على نفسه ويهضمها].

ا.

هـ خفض الجناح ونبذ الخيلاء والكبرياء من الأخلاق العظيمة، فيلتزم الإنسان التواضع ويبتعد عن الكبر حتى لو رأى في نفسه شيئاً من العلم، أو شيئاً من الفهم، أو أي أمر من الأمور، ويحرص الإنسان دائماً على ألا ينظر إلى نفسه؛ فالالتفات إلى النفس من أعظم الطرق الموصلة إلى الكبرياء، والتفكير فيما عند الإنسان ومحاولة مقارنة ما عنده بما عند الآخرين هي البوابة التي تفسد على الإنسان أدبه وخلقه.

وقصة موسى مع الخضر عليه السلام من أعظم الأحاديث الواردة في الأدب العلمي، فموسى عليه الصلاة والسلام نبي من أولي العزم من الرسل، وهو من أفاضل الأنبياء جميعاً، وهو بلا شك أفضل من الخضر في العموم، لكن عندما وقف عليه السلام أمام الناس ذكر لهم أنه لا يوجد أحد أعلم منه، فأراد الله عز وجل أن ينبهه إلى هذا الأدب العظيم وهو التواضع، فبين له الله أن عبده الخضر أعلم.

فما كان من موسى عليه السلام إلا أن طلب اللحوق به والتعلم على يديه وحرص على ذلك.

ولهذا ينبغي الحرص دائماً على التعلم والاستفادة، سواء كانت هذه الاستفادة من الأقران أو من الأصحاب أو من أهل العلم، سواء كان قرينك في السن أو أكبر منك أو أصغر؛ ولهذا توجد في كتب أهل العلم رواية الأكابر عن الأصاغر في الحديث، فتجد رجلاً عالماً كبيراً يروي عمن هو أصغر منه، فينبغي على الإنسان دائماً أن يربي نفسه على هذا الخلق.

<<  <  ج: ص:  >  >>