[حقيقة الإيمان وأدلة زيادته ونقصانه في لمعة الاعتقاد]
قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى: [فصل: والإيمان قول باللسان وعمل بالأركان وعقد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:٥]].
يعني: ما هو الدين؟ أولاً: أن يعبدوا الله مخلصين له الدين.
ثانياً: أن يقيموا الصلاة.
ثالثاً: أن يؤتوا الزكاة، وهذه كلها من الأعمال، وهذا يدل على أن الإيمان كما أنه مشتمل على التصديق فهو أيضاً مشتمل على العمل.
قال: [فجعل عبادة الله تعالى، وإخلاص القلب، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، كله من الدين].
يعني: لو رجعنا مثلاً إلى كتاب الإيمان في صحيح البخاري سنجد أنه يذكر أصنافاً متعددة من الإيمان، منها: الفرار من الفتن إلى الإيمان، ثم يسوق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يكون خير مال العبد غنيمات يتتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن) هنا موطن الشاهد: (يفر بدينه من الفتن).
وهذا يدل على أن الفرار من الفتن من الدين ومن الإيمان، سواء فتن الشهوات، أو فتن الشبهات، فتن الشهوات مثل صور النساء، الأفلام السيئة، وفتن الشبهات مثل العقائد الفاسدة الضالة.
قال: [وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) فجعل القول والعمل من الإيمان].
قوله: (أعلاها لا إله إلا الله) هذا قول، وقوله: (وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) هذا عمل.
قال: [وقال تعالى: {فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة:١٢٤]، وقال: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا} [الفتح:٤]].
هذا دليل صريح على أن الإيمان يزيد.
قال: [وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال برة، أو خردلة، أو ذرة من إيمان) فجعله متفاضلاً].
قوله: (فجعله متفاضلاً) يعني: يزيد كما قال تعالى: {فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة:١٢٤].
والإيمان ينقص أيضاً حتى يصبح مقدار خردلة من إيمان، أو حبة من إيمان، فهذا يدل على أنه يزيد وينقص أيضاً، فزيادته تكون بالطاعة، ونقصانه يكون بالمعاصي، وهذا يدل على أن المعاصي تنقص الإيمان، لكن لا يذهب الإيمان إلا نواقضه.