ثم خرجت طائفة رابعة، وهم اللفظية، وحقيقة قولهم أنهم قالوا: لفظنا بالقرآن مخلوق، فأصبحت الكلمة محتملة، فكانوا يُسألون: ماذا تعنون بقولكم لفظنا بالقرآن مخلوق، هل تعنون به أن ألسنتكم التي تتحرك بالكلمات مخلوقة وما ينتج عنها من أصواتكم مخلوق؟! إذا كان هذا المقصود فهو صحيح، وأما إذا كنتم تعنون أن القرآن نفسه كلام الله، ولكن عندما يقرؤه القارئ وهو كلام الله الأول يكون مخلوقاً دون الالتفات لمسألة كون الإنسان إذا تكلم فإن كلامه يعتبر مخلوقاً؛ فهذا بدعة، ولهذا قال الإمام أحمد: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ومن قال: لفظي بالقرآن ليس بمخلوق فهو مبتدع؛ لأنه عندما واجههم الإمام أحمد وعلماء السنة بدأ الجهمية يحتالون بعد أن انهزموا في هذا المجال، فبدءوا يحتالون على الناس ويأخذون عناوين عامة، ويدخلون من خلالها لعقائدهم التي يريدون، فكان يأتي الشخص منهم ويقول: لفظي بالقرآن مخلوق، فإذا صححته وقلت: نعم كلامك صحيح، قال: أنا تلفظت بهذا القرآن الذي هو في الأصل من كلام الله، إذاً: القرآن مخلوق، فهو يريد أن يصل إلى القول بخلق القرآن بهذه الطريقة وقد يقول هذا القول إنسان صادق بعيد عن هذا القول ويكون قصده صحيحاً، ولهذا الكلمات والألفاظ المجملة ينبغي على أهل السنة الابتعاد عنها؛ لأنها محتملة للحق وللباطل، فينبغي علينا إذا سمعنا مثل هذه الكلمات أن نستفصل.
ثم جاءت طائفة أخرى وقال بعضهم: لفظي بالقرآن غير مخلوق، وهم من الغلاة الذين بالغوا في الإنكار على من قال بخلق القرآن، وادعوا أن ألفاظهم نفسها وحركة ألسنتهم ليست مخلوقة، وهذا قول باطل، فإن حركة اللسان نفسه وكلام الإنسان نفسه مخلوق، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع؛ لأنها كلمات عامة استغلها طوائف من أهل البدع وأخذوها ستاراً لمآربهم، فحذر من هذه الكلمات الإمام أحمد رحمه الله تعالى.