للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأدلة على ثبوت صفة الكلام لله تعالى]

قال المؤلف رحمه الله: [قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:١٦٤]].

والفاعل هنا هو الله سبحانه وتعالى؛ لأنه مرفوع بالضم، فالمتكلم هو الله و (تَكْلِيمًا) توكيد لهذا الكلام.

قال المؤلف رحمه الله: [وقال سبحانه: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف:١٤٤]، وقال سبحانه: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة:٢٥٣]].

وهذه كلها من الصفات المضافة إلى الله سبحانه وتعالى.

قال المؤلف رحمه الله: [وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى:٥١].

وقال سبحانه: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى} [طه:١١]].

والنداء في لغة العرب هو الذي يكون مشتملاً على الصوت، فإنهم لا يسمون نداءً ما كان في النفس، فلو أنك في نفسك طلبت مجيء فلان فلا يسمى هذا نداء في لغة العرب، وإنما النداء المشتمل على الصوت، وهو صوت يليق بجلاله سبحانه وتعالى.

قال المؤلف رحمه الله: [وقال سبحانه: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:١٤]، وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله].

وهذه من الإلزامات التي ألزم أهل السنة بها المعتزلة، فإنه قال: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} [طه:١٤]، فلو كان القرآن مخلوقاً أو كان القائل له جبريل كما يقول الأشعرية، فإن معنى هذا أنه ينسب لنفسه الخلق، ولا يصح لمخلوق أن ينسب لنفسه أنه هو الله، ويقول: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أنا).

قال المؤلف رحمه الله: [وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء)، روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يحشر الله الخلائق يوم القيامة عراةً حفاةً غرلاً بهماً فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان)، رواه الأئمة واستشهد به البخاري].

وهذا يدل على أن الله عز وجل يتكلم بصوت.

قال المؤلف رحمه الله: [وفي بعض الآثار: إن موسى عليه السلام ليلة رأى النار فهالته ففزع منها فناداه ربه: يا موسى! فأجاب سريعاً استئناساً بالصوت، فقال: لبيك لبيك! أسمع صوتك ولا أرى مكانك! فأين أنت؟! فقال: أنا فوقك وأمامك وعن يمينك وعن شمالك، فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى.

قال: كذلك أنت يا إلهي، أفكلامك أسمع، أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا موسى].

وهذا النص مأخوذ من الإسرائيليات، والقاعدة في الإسرائيليات أنها إذا كانت موافقة لشريعتنا فإننا نحدث بها، وعندنا في شريعتنا ما يغنينا في العقيدة، وأما إذا كان فيها ما يخالف الشريعة فيجب أن ترد، وأما إذا كان فيها أخبار تفصيلية، وليس فيها موافقة ولا مخالفة فنتوقف ولا ننسب لها الصدق ولا الكذب، لأننا لا نعلم مدى صدق هذا الكلام المنسوب.

وعلى كل حال ففي النصوص الشرعية غنية عن الاستدلال بالإسرائيليات، ولكن كثيراً من أهل العلم كانت طريقتهم أنهم يحشدون كل ما عندهم من أدلة وهذه هي طريقة شيخ الإسلام رحمه الله، فقد كان إذا أتى إلى مسألة استدل عليها بالقرآن وبالسنة وبأقوال الصحابة وبأقوال التابعين وبالأحاديث الضعيفة بعض الأحيان، وبالأحاديث الموضوعة، وبالرؤى والمنامات وبالأخبار التي ينقلها الناس، ونحو ذلك، فتصبح هذه الأدلة قسمين: قسم تستقل بالاستدلال ويمكن أن يعتمد عليها، وقسم أراد به الشيخ أن يعضد هذه المسألة.

وبعض الذين يقرءون في كتب ابن تيمية قد يستغربون، ونحن هنا قد نستغرب أن ابن قدامة نقل هذا النص عن أهل الكتاب، مع أن النصوص صريحة في القرآن والسنة، ونقول ما الداعي لهذا، والأولى هو الاكتفاء بالنصوص الشرعية؟ نقول: فهذا على طريقة العلماء قديماً، فقد كانوا يحشدون كل ما في إمكانهم من أدلة على هذه القضية، وكان الناس في زمانهم يعلمون هذا القصد، ولكن مع تراجع العلم وضعفه أصبح بعض طلاب العلم قد يستغرب هذا المسلك من بعض أهل العلم، ويظن أنهم يستدلون بالأحاديث الضعيفة، وبالأحاديث الموضوعة، أو يستدلون بالرؤى والأحلام، أو يستدلون بأخبار أهل الكتاب، وهم في الحقيقة لا يستدلون بذلك، وإنما يأتون بها للاعتضاد وليست للاعتماد وقد صرح ابن تيمية رحمه الله بهذا القصد في كتابه (الاستغاثة)، فإنه نقل نصوصاً كثيرة جداً، ونقل فيها رؤى وأحلاماً ومنامات وغرائب، وبعض الأحيان قد ينقل قصة من القصص ويقول في آخرها: وهذه القصة منكرة، فيتعجب بعض الناس لماذا يعمل هذا العمل؟! ثم إذا عرف مسلك أهل العلم زال عنه العجب، وعرف أن هذه النصوص وهذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة لم يؤت بها

<<  <  ج: ص:  >  >>