للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح صفة الكلام من لمعة الاعتقاد]

قال ابن قدامة رحمه الله في لمعة الاعتقاد: [فصل: كلام الله.

ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم].

وقوله: [متكلم بكلام قديم] كلمة قديم معناها: أنه غير متجدد، يعني: كلامه تكلم به في أول الأمر، ثم لم يتكلم بعد ذلك؛ لأن عكس القديم المحدث، والحقيقة أن هذه شبهة مأخوذة من الكلابية؛ لأن الكلابية والأشعرية أقروا بأن كلام الله عز وجل غير مخلوق وصرحوا به، وقالوا: الكلام صفة من صفات الله، ولكن يختلفون في شرح هذه الكلمة عن أهل السنة، فيقولون: كلام الله عز وجل هو صفة من صفات الله عز وجل الذاتية غير متعلق بالمشيئة، قديم، واحد، وهو كلام معنوي ويترتب على هذا أن الله عز وجل لا يتكلم بحرف وصوت، وأن الله عز وجل لا يتكلم إذا شاء متى شاء.

وهذا باطل؛ لأن الله تكلم ويتكلم الآن سبحانه وتعالى، كما قال: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢].

فكل مخلوقات الله عز وجل تحصل بكلمة من الله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه وتعالى يتكلم في كل وقت بما يشاء سبحانه وتعالى.

والقول بأن كلامه قديم يعارض عقيدة أهل السنة في أن الله عز وجل يتكلم متى شاء في الوقت الذي يشاء، ومن ذلك الكلام يوم القيامة؛ ولا نقول إن ابن قدامة كان على مذهب الكلابية أو على مذهب الأشعرية لكن هناك مواطن من اللمعة فيها إشكالات، ولكن هذه الإشكالات لا تؤثر على الشيخ من حيث أصل عقيدته في باب الأسماء والصفات وأنه يثبت هذه الصفات لله عز وجل كإثبات السلف.

وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله في مجموع الرسائل والمسائل: أنه لا يوجد أحد من السلف يقول إن كلام الله قديم.

وصدق شيخ الإسلام رحمه الله؛ لأن كلام الله متعلق بمشيئته، وهو سبحانه وتعالى يتكلم يوم القيامة، فلا يصح أن يقال هذا الوصف في كلام الله سبحانه وتعالى.

قال المؤلف رحمه الله: [ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم يسمعه منه من شاء من خلقه، سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة، وسمعه جبريل عليه السلام، ومن أذن له من ملائكته ورسله، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه، ويأذن لهم فيزورونه].

وهذا يدل على أن رأي ابن قدامة رحمه الله ومذهبه صحيح في موضوع الكلام، وهذه الأوصاف التي ذكرها في صفة الكلام تناقض كلمة قديم؛ لأنه قال: (سمعه موسى عليه السلام) وموسى جاء بعد إبراهيم وجاء بعد آدم وجاء بعد خلق الله عز وجل للسماوات والأرض، ومن كان هذا حاله فلا يقال: إنه قديم، وقال: (وسمعه جبريل عليه السلام، ومن أذن له من ملائكته ورسله، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة).

ولا يصح في هذه الأوصاف التي ذكرها أن يقال عنه قديم، لأن القديم معناه: الذي لا أول له وليس بمتكرر ولا متعلق بالمشيئة، فنخلص من هذا إلى أن مذهب ابن قدامة رحمه الله في موضوع الكلام مذهب سني سلفي صحيح، وأنه أخطأ في استخدام عبارة قديم.

<<  <  ج: ص:  >  >>