[التلقي عن المبتدع من أهل العلم]
قال المؤلف رحمه الله: [التلقي عن المبتدع].
هذا باب واسع تحدث عنه الشيخ طويلاً، وخلاصته أن الإنسان ينبغي عليه أن يتلقى عن أهل الثقة، وهم أهل الحفظ والإتقان من أهل السنة، ولهذا يقول ابن سيرين -كما رواه الإمام مسلم في مقدمته-: إن هذا الأمر دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وقال أيضاً: كانوا لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم.
فيأخذون عن أهل السنة ويتركون أهل البدعة.
ولهذا نقل عدد من السلف كلاماً عظيماً في عدم التلقي من أهل البدع، وأن من سعادة الأعجمي والمبتدئ في طلب العلم أن يهيئه الله لعالم من أهل السنة يعلمه السنة.
وقد نقل عن أكثر من عالم من علماء أهل السنة أنه قال: هداني الله لفلان من أهل السنة.
فهذا يدل على أهمية التلقي عن الشيوخ من أهل السنة والجماعة وترك أهل البدع، ولا يغتر الإنسان بالشعارات الإعلامية التي بدأ يرددها كثير من الناس حول الرأي والرأي الآخر، أو عدم الإقصاء، أو حرية التعبير أو حرية الفكر أو نحو ذلك، فكل هذا الأمور ليس لها قيمة فيما يتعلق بالتلقي عن غير أهل السنة، فكما قال أكثر من واحد من أهل السنة: السنة سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تركها غرق، فلا يصح أن يقول الإنسان: أنا أريد أن أطلع على الرأي الآخر خصوصاً إذا كان في بداية طلبه للعلم.
بل ينبغي عليه أن يدرس وأن يأخذ من مورد عذب بعيد عن الكدر؛ لأن النظر في كتب أهل البدع في بدايات طلب العلم تجعل المورد الذي يشرب منه الإنسان كدراً؛ لأن أهل البدع وكتبهم تنشر القول الباطل والفاسد وتزينه للناس، نعم يصح للإنسان إذا كان متخصصاً وغير مبتدئ بطلب العلم أن يطلع على كتب أهل البدع للرد عليها، فإن هذا لا بأس به لهذا المقصد النبيل، فإن حفظ الدين من مقاصد الشريعة، ومن حفظ الدين بيان العقائد الباطلة ليحذرها الناس، وحفظ الدين كمقصد من مقاصد الشريعة يكون بأمرين: الأمر الأول: معرفة الدين على صورته الصحيحة ونشرها وتعليم الناس إياها ودعوتهم إليها.
الأمر الثاني: الرد على المخالفين، فإن المخالفين يزينون للناس ويلبسون عليهم دينهم ويزخرفون الهم الباطل بالأسلوب الحسن والأسلوب الجميل، فيقع الناس في الضلالة من حيث لا يشعرون، فوجب بيان الحق وتمييز الحق من الباطل {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال:٣٧]، فالله عز وجل يقول: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس:٣٢].
هذا فيما يتعلق بالآراء المجمع عليها من أصول الدين والعقيدة، أما المسائل المختلف فيها بين أهل السنة كالمسائل الفقهية التي يختلف أهل السنة في فهم الدليل لعدم الإجماع عليه أو لعدم وضوح هذا الدليل أو للخلاف في صحة هذا الدليل يكون العالم فيها ما بين مجتهد مصيب له أجران ومجتهد مخطئ له أجر، ولا شك أن الحق واحد غير متعدد، لأن الله عز وجل يقول: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس:٣٢].