[من آداب طالب العلم اقتداؤه بشيخه وحسن استماعه له والنقل عنه]
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله في كتاب حلية طالب العلم:[رأس مالك أيها الطالب من شيخك القدوة بصالح أخلاقه وكريم شمائله، أما التلقي والتلقين فهو ربح زائد، لكن لا يأخذك الاندفاع في محبة شيخك فتقع في الشناعة من حيث لا تدري، وكل من ينظر إليه يدري فلا تقلده بصوت ونغمة، ولا مشية وحركة وهيئة، فإنه إنما صار شيخاً جليلاً بتلك، فلا تسقط أنت بالتبعية له في هذه].
المقصود أن الاستفادة من الشيوخ إنما هو في الاستفادة من علومهم وآدابهم وأخلاقهم التي حث عليها الشرع، وأما ما يتعلق بالتقليد في الهيئة والشكل فإن هذا غير مقصود وغير مطلوب.
قال المؤلف رحمه الله:[نشاط الشيخ في درسه: يكون على قدر مدارك الطالب في استماعه وجمع نفسه وتفاعل أحاسيسه مع شيخه في درسه، ولهذا فاحذر أن تكون وسيلة قطع لعلمه بالكسل والفتور والاتكاء وانصراف الذهن وفتوره.
قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى: حق الفائدة ألا تساق إلا إلى مبتغيها، ولا تعرض إلا على الراغب فيها، فإذا رأى المحدث بعض الفتور من المستمع فليسكت فإن بعض الأدباء قال: نشاط القائل على قدر فهم المستمع فليسكت، ثم ساق بسنده عن زيد بن وهب قال: قال عبد الله: حدث القوم ما رمقوك بأبصارهم فإذا رأيت منهم فترة فانزع، انتهى].
المقصود أن الطالب لا ينتظر أن تعرض المعلومات من الشيوخ عرضاً، وإنما عليه أن يستفيد من هؤلاء الشيوخ من خلال الأسئلة وإبداء اهتمامه، فإن كثيراً من أهل العلم قد لا يحسن عرض المسائل ومناقشتها بمجرد العرض، لكن يؤخذ منه العلم عن طريق السؤال وعن طريق التأمل في عباراته، ولهذا يكون نشاط الشيخ على قدر اهتمام الطالب وعنايته وفهمه.
قال المؤلف رحمه الله:[الكتابة عن الشيخ حال الدرس والمذاكرة، وهي تختلف من شيخ آخر فافهم، ولهذا أدب وشرط، أما الأدب: فينبغي لك أن تعلم شيخك أنك ستكتب أو كتبت ما سمعته مذاكرة، وأما الشرط: فتشير إلى أنك كتبته من سماعه من درسه].
وهناك شرط آخر بأن يكون ما تكتبه هو نفس ما يذكره الشيخ؛ لأنه أحياناً قد يفهم بعض الطلاب فهماً ناقصاً أو محرفاً فينقله على غير بصيرة، ولهذا لا يجوز للإنسان أن ينقل عن أحد فتوى أو رأياً أو مسألة من المسائل إلا وهو متيقن منها، أما إذا كان غير متيقن فإنه لا ينبغي أن ينقلها، فقد يظلم شيخه بما ينقله عنه وهو لا يعلم.