إذا لم نر وقفة من العلماء تناسب الحدث والوقت، فكيف يكون حالنا معهم حيث إنهم تركوا المجال لغيرهم؟
الجواب
أهل العلم لا شك أنهم مطالبون بالمواقف الجادة في الأحداث الحساسة التي تعني الأمة الإسلامية في جملتها، ولا يمكن أبداً في أي حال من الأحوال أن يسكت أهل العلم قاطبة في الدنيا دون بيان أو توضيح، ونحن عندما نتحدث عن العلماء لا نعني العلماء في قطر واحد أو في بلد واحد أو علماء معينين محددين بأسمائهم، بل نتحدث عن أهل العلم من أهل السنة في كل الأرض، ولهذا لابد أن يكون هناك قائم لله عز وجل بحق يبينه ويوضحه ويبين كيفية التعامل معه.
ومثل هذه الأحداث الموجودة الآن في بلاد المسلمين ليس صحيحاً أن أهل العلم لم يكن لهم موقف محدد وواضح في هذا الموضوع، بل لهم موقف محدد وواضح، فهم أنكروا العدوان، وبينوا خطر القوات الأمريكية وما تريد أن تعمله في العراق وما تعمله الآن هو عدوان ظاهر وباطل، وأنه خطير على ديار الإسلام والمسلمين، وأنه يجب على المسلمين أن يتعاونوا في مواجهة مثل هذه الأحداث.
كما أنهم بينوا أن التعاون مع هذه القوات لضرب ديار الإسلام وبلاد المسلمين كفر مخرج عن دائرة الإسلام بغض النظر عن المعينين، وهذا الأمر واضح بحمد الله تعالى.
كما أنهم بينوا أنه ينبغي على الشباب وعلى الأمة عموماً رجالاً ونساء صغاراً وكباراً أن يلتفوا حول أهل الإيمان وأهل التقوى وأهل العلم وأن يكون رأيهم شورى بينهم، فإن الأمور العملية لا يمكن أن تتم بشكل فردي، مثلاً موضوع الجهاد في سبيل الله ليس موضوعاً فردياً بل هو موضوع جماعي ينبغي أن يجتمع فيه أهل العلم، وأن يدرسوا الخطط التي يمكن أن يواجهوا بها العدو، وما هي أفضل وسيلة لدفع الصائل عن بلاد الإسلام، وكيف يمكن أن يواجهوا مثل هذا العدوان.
إذاً الجهاد ليس عملية فردية بل هو عملية شوروية كما قال الله عز وجل:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[الشورى:٣٨]، يجتمع فيها العلماء وأهل الحل والعقد، وينظرون في مصالح المسلمين، وبناء على هذا يكون هناك قرار موحد من أهل العلم؛ لأن الخلاف سبب من أسباب التفرق، والتفرق سبب من أسباب الهزيمة، فالله عز وجل أخبر أن التفرق من أعظم أسباب الهزيمة وذهاب الريح وفقدان المسلمين للنصر، يقول الله عز وجل:{وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال:٤٦]، فقوله:(واصبروا) يعني: اصبروا على الاجتماع والتعاون فيما بينكم بعيداً عن التفرق.
ولهذا نحن مطالبون بالالتفاف حول أهل العلم، ولا يظن الإنسان أن المصلحة هو في مواجهة العدو في لحظة معينة، بل قد يكون هناك خطأ وقع فيه بعض أهل العلم أو بعض ولاة الأمر أو بعض الناس، لكن هذا الخطأ لا ينبغي أن يكون سبباً من أسباب الطعن في أهل العلم أو ذمهم واحتقارهم أو التفرق والخلاف، فإن الاجتماع يحتاج إلى صبر، ولابد أن يكون هناك مبرر حتى يحصل الصبر، كما أن وجود وجهات نظر مختلفة في أمر من الأمور يحتاج منا أن نصبر على المحافظة على وحدة الدعاة إلى الله والصالحين والناس عموماً، والمجتمع عموماً يجب أن نحافظ على وحدته وأن نتكاتف بشكل كبير، ولهذا لا يمكن لأي دولة مهما كانت عظمى أن تحطم إرادة أمة من الأمم إذا كانت متكاتفة ومتعاونة، وهنا بعض الأمثلة الدالة على ذلك: المثال الأول: كان شافيز رئيس دولة فنزولا مسئولاً عن أوبك التي هي الدول المنتجة للنفط وكان يسير بشكل مخالف لإرادة أمريكا، فأرادت أمريكا أن تعاقبه وأن تؤدبه، فدبرت له عملية انقلابية، وفعلاً انقلب عليه مجموعة من الأشخاص الذين كان بينهم وبين أمريكا تعاون، فلما انقلبوا عليه أخذوه وأخذوا مجموعة معه وسجنوه في جزيرة، لكن الشعب الفنزولي لم يكن مقتنعاً بهذا الإجراء والانقلاب، فقاموا على الحكومة الجديدة حتى ألزموهم بأن يردوا شافيز مرة أخرى، ثم حاولوا بعد ذلك إسقاطه عن طريق مجموعة من المعارضين له، فعملوا إضراباً كبيراً جداً في الشركات النفطية وأرادوا إسقاطه فلم يستطيعوا؛ لأن هناك إرادة شعبية ترفض مثل هذه الضغوط من أمريكا.
المثال الثاني: لو نظرنا إلى الأحداث الموجودة الآن في العراق فإنه إذا كان عشرة أيام ما استطاعوا أن يتحركوا من محاور معينة يدورون حولها، بل صرحوا اليوم أنهم أوقفوا التقدم البري حتى يأتيهم المدد مع أنهم دول كبرى بالنسبة للأسلحة، ودولة واحدة كأمريكا كافية بأن تدمر مجموعة دول من ناحية العتاد العسكري، فكيف وهي أمريكا وبريطانيا وأستراليا وهولندا ومعهم مجموعة من الدول مثل بولندا وغيرها من دول التحالف، فمع تحركهم من مجموعة نقاط وقف لهم العراقيون موقفاً قوياً جداً؛ لأن الوضع الآن في العراق تحول من كون المسألة بين الجيش العراقي والتحالف إلى مسألة جيش التحالف مع الشعب بأكمله، ولهذا كانوا ينتظرون أن الشعب يقوم بعملية انقلابية، ويستقبلونهم بالورود والرياحين ومع هذا ما تم أي شيء.