قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:[فصل: ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وصح به النقل عنه فيما شاهدناه، أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه، ولم نطلع على حقيقة معناه].
الغيبيات لا يصح فيها قول المعتزلة أنه لا يوجد عليها دليل عقلي، بل الغيبيات الواردة في الشرع لها مستند عقلي قوي، وهو أن هذه الغيبيات هي عبارة عن أخبار، والخبر يحتمل الصدق والكذب، والمخبر بهذه الأخبار دلت الأدلة العقلية والشرعية على صدقه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، فالمخبر بكل ما في القرآن هو الرسول صلى الله عليه وسلم، والمخبر بالأحاديث الواردة في السنة هو الرسول صلى الله عليه وسلم.
والرسول صلى الله عليه وسلم ثبتت نبوته عندنا بالأدلة اليقينية القطعية التي لا تقبل الشك، ولهذا عندما نرد على المعتزلة الذين أولوا مثل هذه الأخبار بحجة عدم وجود المستند العقلي عليها، نقول لهم: هذه الأخبار هل أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم أم لم يخبر بها؟ فإن قالوا: لم يخبر بها، فهذا تكذيب صريح للقرآن والسنة، وهم لا يقولون بهذا، ولا يكذبون بالقرآن والسنة، ولهذا لابد أن يقولوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بها.
فإذا قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بها، انتقلنا للسؤال الثاني: هل النبي صلى الله عليه وسلم نبي عندكم صادق، أم لا؟ وهم لا يقولون: ليس بنبي؛ لأنهم لو قالوا: ليس بنياً لكفروا، وهم ليسوا كفاراً، بل هم من المنتسبين إلى الإسلام وإلى هذه الأمة الإسلامية، يعرفون أن الله حق، ويعرفون أن القرآن صحيح، ويعرفون أن الرسول صلى الله عليه وسلم نبي، وهم ليسوا يهوداً ولا نصارى، والمشكلة لم تقع عندهم في التنزيل، وإنما وقعت في التأويل، والفرق بين التنزيل والتأويل أن التنزيل معناه: إثبات القرآن وإثبات السنة النبوية، والتأويل معناه: فهم القرآن وفهم السنة النبوية، وهم يقرون بهذا القرآن الذي بين أيدينا ويعترفون به؛ لأن الذي لا يعترف بالقرآن ولا يعترف بالسنة كافر.
لكن هذه الفرق ليست من الفرق الكافرة الخارجة عن الإسلام، بل هي من فرق المسلمين، نسألهم: هذا القرآن الذي بين أيدينا هل هو من الله أو ليس من الله؟ سيقولون: من الله.
إذاً هم يعترفون بالقرآن، ويعترفون بالسنة، لكن يؤولونها، فنحن نقول لهم: إذا كان كل من القرآن والسنة حقاً وصحيحاً، فإن الواجب هو الإيمان به؛ لأن منازعة الإنسان في الإيمان بهذه الأشياء يدل على عدم التصديق به، وما دمتم تؤمنون بهذه الأشياء فأنتم ملزمون بالإيمان بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم.
طبعاً هم عندهم مشكلة كبيرة فيما يتعلق بأخبار الآحاد، فهم يقسمون السنة النبوية إلى قسمين: متواتر، وآحاد، والآحاد لا يقبلونها في العقائد، وهذه بدعة مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرسل عدداً من أصحابه أفراداً إلى هرقل وإلى كسرى، وإلى النجاشي وإلى المقوقس، وأرسل رجلاً إلى بني حنيفة، يدعون إلى أصل الدين والتوحيد، والتوحيد من العقائد، بل هو رأس العقائد، فلم يرسل النبي صلى الله عليه وسلم معهم عدد التواتر، وإنما أرسل معهم أفراداً، ولم يطلب الملوك عدد التواتر، وإنما اكتفوا بخبر الفرد.
هذا أمر مقر في الشريعة، لكنهم ينازعون بناء على وجود أصول بدعية عندهم، فهم قد أصلوا ثم بدءوا يحرفون، ويؤولون النصوص الشرعية حتى توافق أصولهم البدعية.