مصدر الأسماء والصفات هو الكتاب والسنة: لأن الأسماء والصفات من الأخبار التي لا تدخلها الأقيسة المجردة، بل هي من الأخبار التي تتلقى عن الصادق، وسبق أن قلنا إن تلقي الأخبار عن الصادق -وهو كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم- لا يدل على أننا نؤمن بهذه الأسماء والصفات إيماناً مجرداً دون أن يكون للعقل مدخل فيها، ولهذا فالمعتزلة، والأشعرية، والماتريدية وغيرهم ممن يعظم العقل لم يسمهم أهل السنة بالعقلانيين، وإنما كانوا يسمونهم أهل الأهواء والبدع، فإن العقل اسم شريف، وممدوح في الكتاب والسنة، وهو أيضاً ممدوح عند كل الناس، فعندما يقال: فلان عاقل، وفلان غير عاقل، أي: الممدوح منهما العاقل، ولهذا نحن نقول: إن منهج أهل السنة هو المنهج العقلاني الوحيد الصحيح؛ لأن خالق العقل هو الله، ومنزل النقل هو الله، ولا يمكن أن يختلف ما خلقه الله مع ما أنزله، ولهذا استدللنا على ذلك بقول الله عز وجل:{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك:١٤].
فلا شك أنه أعلم بخلقه سبحانه وتعالى من غيره، لكن أهل البدع ظنوا أن النصوص الشرعية الموجودة في القرآن والسنة والتي جاءت في باب الغيبيات وبالذات في باب الصفات؛ ظنوا أنها مخالفة للعقل، وهذا ظن فاسد، فهي ليست مخالفة للعقل، فإن هذه النصوص مصدرها الأساسي القرآن، والقرآن عليه من الأدلة العقلية التي تثبت صدقه ما حصر لها، ولهذا سبق أن ذكرت أن نبوة النبي صلى الله عليه وسلم يدل عليها أكثر من ألف دليل، منها: القرآن، فالقرآن دليل واحد، وهناك أدلة متعددة أخرى غير القرآن، وسبق أن ذكرت نماذج من الأدلة العقلية التي يمكن أن نستدل بها على أن هذا القرآن حق، ومن ثمَ على أن نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وبناء على هذا فكل ما يأتي في القرآن والسنة من المعاني -ومنها الأسماء والصفات- فهي معان حقيقية صادقة لا شك فيها، ليست بحاجة إلى تحريف أو تبديل أو تغيير هذا معنى من المعاني التي يمكن أن نأخذها من القاعدة العامة.