[بعض مظاهر الفوضى بسبب عدم الالتزام بالعلم الشرعي]
من مظاهر الفوضى التي نعايشها الآن: أن الرجل يكون من أهل السنة له عقيدة مشهورة في مسائل السنة الأساسية، لكنه قد يجتهد في مسألة من المسائل فيخطئ، وقد يكون خطؤه هذا فيه مشابهة لطائفة من الطوائف المنحرفة، فمن مظاهر الفوضى أنك تجد أشخاصاً يأتون إلى هذا العالم فيسقطون كل أوصاف تلك الطائفة المنحرفة عليه؛ لوجود هذا التوافق الموجود عنده من أجل هذا الرأي، وينسون أنه في باب كذا وفي باب كذا وفي باب كذا من الأبواب التفصيلية المعروفة عند أهل السنة أنه على السنة وأنه على عقيدة صحيحة، وهذا من الظلم والجور.
إن بعض أهل السنة السابقين وافقوا طوائف من أهل البدع في بعض الآراء الجزئية، ومع ذلك لم يعتبرهم أحد أنهم من أهل البدع والضلالة، ثم ينزل عليهم كل الأوصاف المتعلقة بأهل البدع والضلالة والعياذ بالله.
فالإمام الطبري رحمه الله إمام وعالم كبير: كان يؤول الكرسي بأنه العلم، وهذا تأويل صريح، مع أن آية الكرسي، وحديث ابن عباس رضي الله عنه: في أن الكرسي موضع قدمي الرب صريحان في المسألة، ومع هذا أولها بأنه العلم، ولم يقل أحد بأن الطبري رحمه الله من المؤولة ومن المعطلة، ثم ينزل عليه أوصاف المعطلة والمؤولة جميعاً، هذا مظهر من المظاهر.
مظهر آخر من مظاهر الفوضى التي نعايشها بسبب عدم الالتزام بالعلم الشرعي: هو أن تجد إنساناً في خطابه الدعوي أو في خطابه الفكري، تجد أنه يعيش في حالة كما يسمونها من الانفلات، فتجد أن كلامه ليس له حدود، قد يصدق كلامه الذي فيه مدح أو ثناء على طوائف من أئمة الكفر، يصدق كلامه في الذم على طوائف من أهل الإيمان، فأصبح الكثير لا يعرف حدود مقصوده أو رأيه، وهذا الانفلات في الخطاب سببه أيضاً عدم الالتزام باللغة الشرعية، والضوابط الشرعية في ما يتعلق بالأحكام والمفاهيم وحدودها وضوابطها، ولهذا لا تجدون مثلاً في خطاب عالم كشيخ الإسلام ابن تيمية تسيباً، بل تعرفون حدود كلامه وانضباطه، كذلك الحال فيما يتعلق بمشايخ وأئمة أهل السنة سواء في العصر الحديث أو المتقدمين، تجد أنهم من أضبط الناس في ما يتكلمون به، ومن أدق الناس عبارة في ما يتحدثون به، ولهذا نؤكد على أهمية دراسة العلم بالطريقة التي سبق أن أشرنا إليها، وهي أن تعرف أدلة حجية الكتاب والسنة حتى تستطيع أن تبطل، وعلى الأقل أن يتميز لديك بشكل يقيني ودقيق فساد العقائد الأخرى التي جعلت أدلة مصافة للكتاب والسنة، ثم تدرس المناهج المنضبطة الشرعية التي يكون الاستدلال من خلالها بالنصوص الشرعية استدلالاً صحيحاً، ثم تعرف حدود الأسماء والأحكام في ما يتعلق بالخلاف الذي يحصل بين الناس، سواء خلافاتنا مع الكفار أو خلافاتنا مع أهل البدع، أو خلافات أهل السنة فيما بينهم، بحيث يتكلم الإنسان أو يعتقد بشكل دقيق وصحيح وموافق للنصوص الشرعية.
هذه المقدمة أرى أنها ضرورية في مقتبل درس يتعلق بالعقيدة، لأننا سنجد طوائف انحرفت في العقائد وسنذكر بعض الآراء والمناهج والأفكار، وقد نذكر بعض الأحيان أعلاماً مشهورين خالفوا السنة في هذه المسألة أو تلك ونرد عليهم، وهذا أمر طبيعي فإن هذه هي طريقة أهل العلم من القديم أن الحق أحق أن يتبع وأن التقليد مذموم، وأنه يجب على الإنسان أن يكون متبعاً لنصوص الكتاب والسنة بشكل دائم ومستمر.