قال المؤلف رحمه الله تعالى:[السادس والعشرون: الرحلة للطلب.
من لم يكن رحلة لن يكون رحلة.
فمن لم يرحل في طلب العلم للبحث عن الشيوخ، والسياحة في الأخذ عنهم، فيبعد تأهله ليرحل إليه؛ لأن هؤلاء العلماء الذين مضى وقت في تعلمهم وتعليمهم والتلقي عنهم، لديهم من التحريرات والضبط والنكات العلمية والتجارب، ما يعز الوقوف عليه أو على نظائره في بطون الأسفار، واحذر القعود عن هذا على مسلك المتصوفة البطالين الذين يفضلون علم الخرق على علم الورق].
قوله:(من لم يكن رحلة لن يكن رحلة) يعني: من لم يكن كثير الترحال في طلب العلم فلن يرحل إليه فيما بعد، يعني: لن يكون عالماً يرحل إليه، ولهذا يستحب لطالب العلم أن يجتهد في التنقل بين البلاد للحرص على العلم، والاستفادة من عامة الشيوخ الذين يلتقي بهم، ولهذا يقول البخاري: إنه حدث عن ألف من أهل العراق والشام والحجار واليمن ومصر والمغرب وخراسان، كلهم يقول: إن الإيمان قول وعمل، يعني: كلهم من أهل السنة والجماعة.
وأما قوله:(واحذر القعود عن هذا على مسلك البطالين الذين يفضلون علم الخرق على علم الورق)، فالمقصود بعلم الخرق عند الصوفية: أن في الولاية درجات، وعندهم علامات على تحصيل الولاية، فكما أن أهل الحديث يتلقون العلم بالإجازات، كأن يأتي الإنسان ويدرس صحيح البخاري ويضبطه على شيخ فيجيزه في هذا، فتكون الإجازة علامة على دراسة هذا الإنسان وقراءته وضبطه لصحيح البخاري، فكذلك الإجازة عند الصوفية تكون عن طريق الخرقة.
وهم يزعمون أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخذ الخرقة من النبي صلى الله عليه وسلم إجازة له في باب الولاية والسلوك إلى الله تعالى، وأن علي بن أبي طالب أصبح يدرب من بعده، ويعطيهم هذه الخرقة فيتناقلها الأولياء والأصفياء وأصحاب السلوك إلى الله سبحانه وتعالى جيلاً بعد جيل، فأصبحت الخرقة عندهم رمزاً للإجازة والتخرج، مثل الإجازة أو الشهادة التي تدل على أن هذا الإنسان قد استمر في هذا الطريق إلى نهايته، هذا هو علم الخرق عندهم.