[التوافق بين أسماء الله وأسماء صفاته وبين أسماء المخلوقين وأسماء صفاتهم لا يستلزم التوافق في المسمى]
وقد أشكل على بعض الناس التوافق في أسماء صفات الله عز وجل وأسمائه وأسماء وصفات المخلوقين، فالله عز وجل هو الحي وقد سمى بعض عباده الحي، وهو سبحانه وتعالى يعلم وعبده يعلم أيضاً، وهو سبحانه وتعالى له قدم ولعبده قدم، وهو سبحانه وتعالى له عينان ولعبده عينان، وهو سبحانه وتعالى له يد ولعبده يد، هذا التوافق أشكل وأصبح مأزقاً عند الكثير لا يستطيع الخروج منه، أو يخرج منه ببدعة ضالة إما بدعة التعطيل ونفي صفات الله سبحانه وتعالى وحقائقها، أو التمثيل وهو أن صفات الله سبحانه وتعالى مثل صفات المخلوقين.
وهذا المأزق يمكن أن نحله كالتالي: أن التوافق بين أسماء صفات الله عز وجل وأسماء صفات المخلوق لا تستلزم التوافق في المسمى، فالله عز وجل يقول: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:٢٥٥]، ويقول: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [الروم:١٩] فسمى نفسه الحي وسمى عبده الحي.
وكذلك الحال في بقية الأسماء والصفات.
نقول: إن الاشتراك في الأسماء لا يقتضي التماثل في المسميات، فإن هذا الاشتراك يحصل في قدر كلي لا وجود له في الخارج وإنما هو موجود في عقل الإنسان وذهنه.
ويتميز بالنسبة، يعني: عندما ننسب هذا الأمر نقول مثلاً: يد الإنسان؛ فعرفنا خصوصية معينة لهذه اليد وهي أنها يد إنسان ذات صفة معينة.
وإذا قلنا: يد الله، عرفنا أنها يد خاصة بالله سبحانه وتعالى لها صفة أخرى تختلف عن صفة المخلوق لأن هناك فارقاً بين الخالق والمخلوق.
فهذه القضية لم يدركها المعطلة ولا الممثلة، فالمعطلة قالوا: إن هذا التشابه يقتضي التماثل التام بين صفات الله عز وجل وصفات خلقه، وبناءً على هذا فلا بد أن ننفي مقتضاها، ورتبوا على هذا أن النصوص القرآنية والنبوية ظواهرها التمثيل، وأن اعتقاد ذلك كفر والعياذ بالله، وأنه لا بد لنا من التأويل، وأن التأويل هو العقيدة الصحيحة التي تجعلنا نصل إلى حقيقة صفات الله سبحانه وتعالى، وأما الإيمان بالظواهر وإثبات ما أثبته الله لنفسه فإن هذا يستلزم التمثيل ولا بد.
أما الممثلة فقالوا نفس الكلام، لكن قالوا: لا بد أن نؤمن بما أخبر الله، وقد أخبر الله بالتمثيل فلا بد أن نؤمن به.
والحق أن كلتا الطائفتين أخطأت، فإن الله عز وجل لم يجعل ظاهر هذه النصوص التمثيل، ولم يجعل ظاهر هذه النصوص الموافقة التامة، وإنما هي تتفق في الأسماء لكن تختلف في الحقائق.
فأنت الآن مثلاً تقول: يد الفيل، وتقول: يد النملة، هنا يد وهنا يد، لكن هذه مختلفة عن هذه من كل الوجوه.
وبناءً على هذا نقول: إن القدر المشترك بين اسم صفة الله عز وجل واسم صفة العبد لا حقيقة له من حيث الواقع، وإنما هو قدر يقتضيه الاشتراك الذهني فقط، يعني: يمكن أن يوجد في الذهن أن هذه يد وهذه يد، لكن لا يوجد لها صورة وحقيقة معينة في ذهنك.
ويمكن أن توجد في الخارج عند الاختصاص أي: عندما يكون يد الله أو يد المخلوق، فتقول: يد المخلوق وتعرف حقيقتها وتعرف طبيعتها، ويد الله عز وجل تليق بجلاله لا تشبه يد المخلوق، ولا نعلم كيفيتها.
فمجرد الاشتراك في الاسم لا يقتضي التماثل في المسميات، ولهذا ضرب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مثلاً في كتابه التدمرية بالجنة، فقال: الجنة ورد في النصوص الشرعية أن فيها نخلاً وفيها ثمراً وفيها فواكه، لكن لا تشبه شيئاً مما في الدنيا، فليست فواكه الجنة مثل فواكه الدنيا، وليس هناك تشابه أصلاً بينهما، ولهذا ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: ليس شيء في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء.
وهذه الأسماء معنى كلي في الذهن، أي: لا يمكن للإنسان أن يميزه إلا بالاختصاص، فإذا خصه فقال: ثمرة الدنيا أو ثمرة الآخرة، وهكذا الحال في كل الأسماء الكلية، فإن الأسماء الكلية لا وجود لها في الواقع، وقد يعبر بعض العلماء عن كلمة الواقع هذه فيقول: في الخارج، يعني: خارج الذهن، فيقولون: في الداخل يعني: داخل الذهن، وفي الخارج يعني: الواقع المعاش الذي يعايشه الناس.
إذاً القدر المشترك هو المعنى الكلي الذي يؤخذ من مطلق الاسم، مثل عموم كلمة يد، أو عموم كلمة نزول، أو عموم كلمة علم، أو عموم كلمة وجه، لكن عند الاختصاص تتمايز وتختلف بشكل تام.